العدد 2938
الأحد 30 أكتوبر 2016
banner
العمق الاستراتيجي الاقتصادي
الأحد 30 أكتوبر 2016

في القواميس العسكرية يستخدم مصطلح “العمق الاستراتيجي” لوصف المناطق الفاصلة بين خطوط القتال على الجبهة ومناطق الثقل السكاني والصناعي، ونظرًا إلى الارتباط الوثيق بين السياسة والاقتصاد، لا يقل البعد الاقتصادي أهمية عن البعدين العسكري والأمني، لذا يجب التعاطي مع التحالفات الاقتصادية من هذا المنطلق، بحيث يتم تشكيلها من منظور خدمة المصالح العليا وحماية الأمن والاستقرار.

رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة طرح رؤية استراتيجية بعيدة المدى عندما شدد على أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية مع جنوب شرق آسيا، حيث فطن سموه إلى ضرورة بناء عمق استراتيجي اقتصادي يتيح لدول الخليج القدرة على المناورة والتحرر من الضغوط المفروضة عليها من قبل التحالفات الاقتصادية القديمة، والتي تحتاج إلى إعادة نظر وتقييم من جديد، خصوصًا تلك التي تربطنا بأميركا وأوروبا.

لا أحد يدعو إلى فض هذه التحالفات، ولكن من الحكمة أن نبحث عن خيارات وبدائل، وأن يتم التعامل مع التحالفات الاقتصادية من مفهوم العمق الاستراتيجي، بما يزيد من قوة وضعنا التفاوضي، ويضبط بوصلة العمل الوطني وتوجهاتنا السياسية والاقتصادية.

نحن بحاجة ماسة لرؤية واضحة تعيد صياغة التحالفات الاقتصادية، إذ لم تعد أميركا اللاعب الوحيد المؤثر في الاقتصاد العالمي، ولا سيما بعد تراجع دورها في عهد أوباما. كما أنها لم تعد بيئة مرحبة للاستثمارات الأجنبية مع انتشار الزينوفوبيا، خصوصًا تجاه العرب، فسنّ قانون مثل “جاستا” يعكس تربصًا خبيثًا يستهدف الاستثمارات الخليجية.

وأوروبا ليست أفضل حالاً ، إذ تشهد القارة العجوز صعودًا مخيفًا للأحزاب القومية والحركات اليمينية المتطرفة، وهو ما ستترتب عليه لاحقًا نتائج غير حميدة للاستثمارات الخليجية هناك، وحتى في بريطانيا أظهر المؤتمر الأخير لحزب المحافظين الحاكم كرهًا واضحًا للأجانب سواء لدى صانع القرار أو المواطن العادي، كما سيحتاج الإنجليز سنوات كثيرة لإعادة التفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية التي أبرموها مع دول العالم عبر عضويتهم المنتهية في الاتحاد الأوروبي.

ولا يمكن الرهان على الصين؛ لأنها مقبلة على اختبار صعب للغاية مع تحولها من اقتصاد مدفوع بالاستثمار إلى اقتصاد مدفوع بالاستهلاك. ولم تكن روسيا في الأساس خيارًا للاستثمارات الخليجية، ولن تكون في ظل توجهات بوتين لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية على أنقاض الاتحاد السوفييتي ضاربًا بالعقوبات الغربية عرض الحائط.

في السابق عمدت دول الخليج إلى توزيع استثماراتها الخارجية بين أوروبا وأميركا، من باب “لا تضع كل البيض في سلة واحدة”، لكن عندما تصبح هذه السلال بالية يجب استبدالها، وقد ينصح الاقتصاديون بالاستثمار في تركيا أو البرازيل أو مصر أو حتى جنوب أفريقيا، لكن المتغيرات العالمية تستدعي منّا التعامل مع جنوب شرق آسيا باعتبارها عمقًا استراتيجيًا اقتصاديًا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية