العدد 2945
الأحد 06 نوفمبر 2016
banner
عقدة الخواجة
الأحد 06 نوفمبر 2016

خلال مسيرتي المهنية، جمعتني زمالة عمل مع شاب سويدي، كان إنسانًا طيبًا ومجدًا في عمله. الاحترام المتبادل الذي نشأ بيننا جعلنا صديقين مقربين. وبعد فترة ليست بالقصيرة، عملنا فيها معًا ضمن فريق واحد، قرر صديقي العودة إلى بلاد الشمس الباردة، وقبل مغادرته سألته ما أكثر شيء سيفتقده من بلادنا؟ فأجابني بهدوئه الاسكندينافي المعتاد قائلاً: “في بلدي لا يعاملني أحد كما تعاملونني هنا، سوف أفقد ميزتي”. 

لم يكن بحاجة إلى أن يشرح لي أنه لا يعني الميزة المادية، رغم علمه بأنه سيفقد قدرًا معتبرًا منها، بل كان يقصد ميزة أخرى أهم بالنسبة إليه، هي كونه غربيًا يعيش ويعمل في بلد عربي، ويعامل كما لو كان وزيرًا.

صديقي السويدي استفاد بالفعل مما نطلق عليه في عالمنا العربي “عقدة الخواجة”، وفي حين منحته هذه “الزينوفيليا” ميزة إضافية، تأثرت شخصيًا منها في مواقف عدة، حيث كنت أعمل ضمن فريق إعلامي يضم أعضاءً من مختلف بقاع الأرض. وبطبيعة الحال، كنا نختلف أحيانًا بشأن خطط ومقاربات معينة، لكن حينما أصطدم في الرأي مع أي من الأعضاء الغربيين بالفريق، كانت كلماتهم تلقى أحسن إصغاء حتى لو كانت غير صائبة أو مجدية.

علمت جيدًا بأنه لكي يؤخذ برأيي كان يتحتم علي أن أطرحه محكمًا ومقرونًا بكل ما توافر من براهين علمية وتجارب عملية، ولعلّي استفدت ذاتيًا من هذا الجهد على مستوى تطوير مهارة البحث والتحليل، بينما كانت مشاريع زملائي الغربيين تحصل على الضوء الأخضر دون عناء يذكر، وكأنما هناك قانون غير مكتوب ينص على أن “الخواجة على صواب حتى يثبت خطؤه”.

استخدام مصطلح “عقدة الخواجة” اندثر تقريبًا منذ مطلع الألفية الجديدة، وقبل هذا التاريخ كان يستخدم بإفراط ولكن في غير موضعه، وفي الأغلب للدفاع عن السلبيات التي تعاني منها مجتمعاتنا، حيث جرت العادة على وصف من يحددون تلك السلبيات ويجرون المقارنات مع الغرب بشأنها بأنهم مصابون بهذه الظاهرة النفسية، وبدلا من أن نعالج عقدتنا استخدمناها لحماية سلبياتنا! حتى فرغت العبارة من محتواها ولم يعد لاستخدامها معنى.

لكن العقدة نفسها لم تندثر، ويشكل حلها تحديًا حقيقيًا علينا مواجهته عبر تأهيل الكوادر الوطنية ومنحهم الثقة وتشجيعهم على التطوير والابتكار، وتقديرهم عندما ينجحون والأخذ بأيديهم إذا تعثروا، فالأحرى بنا آن نوجه طاقاتنا البشرية ونحسن استغلالها، وألا نسارع إلى البحث عن حلول مؤقتة يجلبها إلينا أشخاص قدموا من الغرب ثم نبالغ في تقديرهم على افتراض أنهم لا يخطئون.

ولنستبشر خيرًا من إعلان حكومة مملكة البحرين الرشيدة عن مشروع لديوان الخدمة المدنية لتأهيل صف ثان من القيادات والموظفين في كل الوظائف المفصلية، فحسناً فعلت الحكومة بالاستثمار في العنصر البشري، ونرى اليوم أن أغلب المؤسسات في المملكة، ولاسيما المصرفية والمالية, تديرها كوادر وطنية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .