العدد 2968
الثلاثاء 29 نوفمبر 2016
banner
“ما بعد الحقيقة”!
الثلاثاء 29 نوفمبر 2016

في كل سنة، يحدد القائمون على تحديث قاموس أكسفورد، كلمة تعكس أبرز المستجدات أو التغيرات التي طرأت على اللغة الإنجليزية، ووقع اختيارهم على “Post-truth” أو “ما بعد الحقيقة”، لتكون كلمة العام 2016.

محررو “أكسفورد” يشرحون معنى هذه الكلمة بأنها “صفة تتعلق بـ أو تدل على ظروف تصبح فيها الحقائق الموضوعية أقل تأثيرا في تشكيل الرأي العام من مخاطبة العاطفة أو المعتقد الشخصي”، موضحين أن استخدام مصطلح “Post-truth” ازداد بنسبة 2000 % مقارنة بالعام الماضي، وجاءت هذه الزيادة الكبيرة في سياق الحديث عن استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الأميركية.

العاملون في مجال العلاقات العامة أدركوا أهمية مخاطبة العاطفة والمعتقد الشخصي، وفطنوا إلى أن “السوشيال ميديا” هي أفضل ساحة لخوض معركة التأثير على الرأي العام، إذ إن الإعلام التقليدي، مهما بلغ من شعبية ومصداقية ودقة، يعجز عن منافسة “السوشيال ميديا” في القدرة على الوصول والانتشار والتأثير في المجتمع. المعركتان اللتان تحددت على إثرهما كلمة العام ربحهما مؤيدو خروج بريطانيا والرئيس المنتخب دونالد ترامب.

فريق حملة ترامب عرف كيف يستغل “السوشيال ميديا” لتقديم وجهات نظر وأخبار يصعب تمريرها عبر وسائل الإعلام التقليدية، فنجح في تشكيل مواقف وسلوكيات الناخبين، وخاصة الشباب. وفي حالة نموذجية ينطبق عليها تعريف “أكسفورد” سالف الذكر، كان التفاعل مع الأخبار الوهمية عبر “الفيسبوك” في فترة الانتخابات أكبر من التفاعل مع الأخبار الموثوقة، إذ تفاعل المستخدمون مع الأخبار الوهمية (بين مشاركة وتعليق)، في الفترة من أغسطس وحتى يوم الانتخابات، 8.3 ملايين مرة مقابل 7.3 ملايين تفاعل مع أخبار الإعلام التقليدي خلال الفترة ذاتها.

في سبتمبر الماضي تجاوز عدد مستخدمي شبكات “السوشيال ميديا” المليارين، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع تزايد استخدام الأجهزة المحمولة والشبكات الاجتماعية المتنقلة، حقيقة أدركتها وسائل الإعلام التقليدية متأخرة، فبدأت تدخل بكل قوتها إلى هذا المجال في محاولة لإيجاد موطئ قدم في واقع إعلامي جديد.

ليس هناك متسع للحديث عن سر قوة “السوشيال ميديا” في هذا المقال، لكن صعودها الصاروخي يضع الصحافة الورقية والإلكترونية أمام خيارين؛ إما أن تنجرف مع تيار “ما بعد الحقيقة” فتتعثر في خطواتها الأولى بشبكات الواقع الافتراضي! أو تلتزم أكثر من أي وقت مضى بمعايير المهنية، فتضمن البقاء على قيد الحياة والاستمرار في المنافسة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .