العدد 2989
الثلاثاء 20 ديسمبر 2016
banner
“غزة تبكي حلب”
الثلاثاء 20 ديسمبر 2016

 الفلسطينيون عمومًا وأهل غزة منهم على وجه الخصوص، هم أكثر سكان الأرض تعرضًا للظلم والتعذيب والاعتقال والتهجير والتشريد وتدمير البيوت والأراضي وعدم الاستمتاع بأي مظهر من مظاهر الحياة العادية، فهم يعيشون على مدى عقود في صراع دائم مع عدو غاشم وفي مواجهة غير متكافئة مع كيان صهيوني غاصب.

وأمام ما يتعرض له الفلسطينيون من قمع وتنكيل واضطهاد على أيدي الاحتلال الإسرائيلي، لا نتوقع منهم اهتمامًا بأي شأن عربي أو دولي باستثناء ما يخص قضيتهم وما يمس حياتهم، فهم لا يملكون هذا الفراغ الوقتي والعقلي الذي يتيح لهم التفكير خارج دائرتهم وخصوصا أنها مليئة بكل التعقيدات الكافية التي تشغلهم لسنوات.

ولكن، عندما تخرج الفلسطينيات أمام مقر مكتب المندوب السامي التابع للأمم المتحدة للتظاهر تنديدًا بجرائم النظام السوري في حلب، ومناشدة دول العالم التدخل لوقف نزيف الدم وجرائم القتل والاغتصاب، فإن هذا الحدث الذي قد يبدو عاديًا وبسيطًا، يكشف حجم الألم ويعكس الوجع الشديد الذي يعيش فيه أبناء حلب، فلا يشعر بهؤلاء حق الشعور إلا من يعيش نفس أوضاعهم أو أوضاعًا مشابهة لهم مثل أبناء غزة الذين يواجهون حصارًا غير أخلاقي ويتعرضون للحرمان من مقومات الحياة.

لقد استطاع النظام السوري المجرم أن يفعل بأهالي حلب ببضعة شهور ما فعله الاحتلال الصهيوني بأبناء غزة في سنوات طويلة، حتى باتت حلب الشهباء خاوية، وهي التي تعد أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان واشتهرت بأنها مدينة العراقة والعاصمة الاقتصادية لسوريا عبر تاريخها وتعد إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم وعاصرت الكثير من المدن القديمة مثل روما القديمة وبابل ودمشق ونينوى وحماة وغيرها، وهي المدينة السياحية الأولى في البلاد، ولكن كل هذا وغيره لم تكن له قيمة أمام وحشية النظام ورغبته في الانتقام وتحويلها إلى كومة من الأنقاض وارتكاب المجازر الجماعية المروعة.

إن تظاهرة النساء الفلسطينيات تغني عن آلاف الكلمات والصفحات في وصف حال أهل حلب مع هتلر العصر وأعوانه وما يرتكبونه من جرائم تفوق بمراحل ما يتعرض له الفلسطينيون منذ عقود على يد الاحتلال الإسرائيلي.

ربما لن نستطيع أن نصف حجم المرارة والحسرة التي يعيش فيها أهل حلب، ولكن يكفينا مقولة إحدى المشاركات في المظاهرة النسائية الفلسطينية “رغم أن غزة قاست مرارة المجازر والتدمير فإنه لا يمكن مقارنتها بمشاهد قتل نساء وأطفال حلب على مشهد من العالم كله دون أن يحرك ساكنا”.

لم نكن نتخيل أن هناك ما هو أكثر قسوة ووحشية مما يتعرض له أبناء غزة، إلا أن هؤلاء أنفسهم يحاولون إيقاظ ضمائر وقلوب ماتت، ويقولون: “انتبهوا رجاء، فإن كنتم قد نسيتم أن هناك بشرا يعيشون في غزة رغم محاولات كثيرة ليكونوا في تعداد الأموات، فنرجوكم لا تنسوا أبناء حلب أو ما تبقى منهم، رجاء استجيبوا لصرخاتهم واسمعوا استغاثاتهم”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .