العدد 3002
الإثنين 02 يناير 2017
banner
لماذا الآن؟
الإثنين 02 يناير 2017

في تفسيره لأحد المقالات التي كتبت في الأيام الأخيرة، قال صاحبي: “لماذا هذا المقال الآن؟”، في إشارة إلى أن المقال المشار إليه، ومحل النقاش، إنما أتى خدمة لغرض ما ليصبّ في صالح جهة ما، وإلا لو كان صاحبه منصفاً لكتبه قبلاً، ربما قبل شهور، أو قبل سنين، لا أدري، ولكن ليس الآن... لماذا الآن؟

هذا السؤال غالباً ما يريد سائله أن يري من حوله مدى انتباهه لما يجري، وربطه الأحداث ببعضها، ودقته في تتبع وترصّد خيوط اللعبة الكونية التي تجري من غير توقف ضد الأمة بكل مكوّناتها الطيّبة الخيّرة، حيث الأعداء متفرّغون لنا، عاكفون على إيجاد طرق جديدة للنيل منا. 

لو كتب أحد عن التخلف التكنولوجي العربي، لقيل: لماذا الآن، وكأن القصد إضعاف الهمّة، ولو تناول أحد مسألة الحاجة إلى الإصلاحات، لقيل: لماذا الآن والجبهات ساخنة؟ لابد أنه يريد إضعاف الجبهة الداخلية وإشغالها بالقيل والقال، ليتمكن منّا الأعداء. ولو نشر أحدهم ما يفيد بضرورة الاستفادة من التاريخ لقراءة المستقبل، لقيل: لماذا الآن يريد أن يفتح الجراح ونحن بالكاد استطعنا تضميدها؟ ولو أرسل كاتب مقالاً يدعو فيه لمحاربة فكر متطرف، لقيل: لماذا يدعو الآن، ولم يدعُ من قبل لمحاربة فكر متطرف من الطائفة الأخرى، هل يريد تمثيل دور المتوازن؟ وإذا قرر البعض الخوض في مواضيع مثل العدالة، أو الميزانية، أو نقد التيارات السياسية، أو تفكيك خطاب جمعية، أو قراءة في البرامج الاقتصادية للحكومة، أو تحليل خطاب جماعة ما؛ فإن السؤال “لماذا الآن؟” لن يكفّ المتحذلقون عن طرحه حتى يدخل هذا السؤال في عقل الكاتب قبل الشروع في أي موضوع خشية أن يصطدم بهذا السؤال، فتراه يبرر لمقاله، ويمهّد كثيراً له، محاولاً إبعاد الشبهات، والوصول إلى القسم بأغلظ الأيمان بأن لا صلة له بأي تنظيم داخلي أو خارجي، ولا يخدم أية مصالح ظاهرة أو باطنة لأحد، وأن القروش التي يتلقاها هي فقط ما يناله آخر الشهر لقاء ما يكتب، فهو ليس مسلطاً على أحد، ولا أحد مسلّط عليه، ولا مرجعية له إلا ضميره.

بطبيعة الحال، سمعنا عن أناس يكتبون على أمل أن يقبضوا، ولكن القطاع الأكبر من الكتاب يكتبون انطلاقاً من إيمانياتهم وما يعتقدون بصوابه، والصواب هنا نسبي جداً، فلا يمكن أن يُطلب من جميع الكتاب أن ينطقوا بلسان واحد، وإلا لاكتفينا بصحيفة واحدة، فيها كاتب واحد يغني عن الجميع، والديمقراطية الحقّة أن تتسع لتقبل كل هذه الاختلافات من دون أن تردّها إلى شكوك في ما ورائياتها، وإلا فإن سوء الظن سيكون من حُسن الفطن حقاً، ولكنه يودي إلى مرض الوسواس.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية