العدد 3005
الخميس 05 يناير 2017
banner
اختيارات ترامب... فرص وقيود
الخميس 05 يناير 2017

سيكون موعد تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في العشرين من شهر يناير 2017م إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من التفاعلات الدولية لا يمكن الجزم بشكل محدد لها أو التهكن بمضامينها، لكنها ستشهد صراعًا وتنافسًا بين مختلف دول العالم لحجز الموقع الذي تريده لنفسها في هذا العالم الذي سيكون فيه ترامب رئيسًا للبيت الأبيض ولمدة أربع سنوات على الأقل. 

قد يعتقد البعض أنه من المبكر الحديث عن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب من الآن، ويفضل الانتظار حتى نرى سياساته ونستطيع الحكم على تصرفاته، لكن حقيقة الأمر وفي عالم السياسة والعلاقات الدولية، فإن هذا الوقت مناسب جدًا للتحرك لكل من يسعى للحفاظ على مصالحه مع تلك الدولة وفرض اسمه ووجوده على مسرح النظام الدولي. 

ويبدو لي من اختيارات الرئيس المنتخب ترامب لأعضاء إدارته الجديدة التي ستتولى زمام الأمور في الولايات المتحدة بدءًا من 20 يناير، أنها توفر فرصًا جيدة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للبناء عليها، والتواصل معها؛ للوصول إلى علاقات أقوى وأكثر تحقيقًا للمصالح بين الجانبين الخليجي والأمريكي، كما أنها في ذات الوقت تفرض قيودًا وتحديات أمام دولنا الخليجية إذا ما لم يتم التعامل معها وفق خطط جماعية وبطرق غير تقليدية تجعل صانع القرار الأمريكي، مجبرًا على احترام المصالح الخليجية والتعامل على أساسها. 

كما كان فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حدثًا أذهل الأمريكيين والعالم أجمع، تأتي اختيارات ترامب لفريق إدارته بطريقة تثير الدهشة والجدل حول الأسماء التي يختارها والسياسات التي سينتهجها، وهو ما يفرض علينا في دول الخليج أن نغير من نمط التعامل مع رجال ترامب وحكومته في الفترة المقبلة، والعمل على اتباع فكر غير نمطي وبناء تحالفات قوية وخاصة أن الفرص كما قلنا متاحة أمامنا لذلك. 

إن القناعات التي أوضح ترامب بعضها ـ قبل وبعد انتخابه ـ والاختيارات التي أعلن عنها ـ حتى الآن ـ تشكل إطارًا جيدًا للتحرك الخليجي الموحد، ومن أهم هذه القناعات رفض ترامب التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت غطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي كانت من أهم الدعامات التي استندت إليها إدارة الرئيس أوباما للتدخل في شؤون غيرها من الدول؛ لإحلال الفوضى الخلاقة ليس في الشرق الأوسط فقط، بل في أجزاء كثيرة من العالم. فقد تعهد ترامب أثناء حملته الانتخابية بعدم تدخل واشنطن في شؤون الدول الأخرى حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، وعدم لجوء الولايات المتحدة إلى محاولة فرض الديمقراطية بالقوة على أنظمة الحكم.

وبعد فوزه بالانتخابات، أكد مستشار ترامب لشؤون السياسة الخارجية أن الرئيس الأمريكي المنتخب سيعيد العلاقات التحالفية مع دول الخليج، وسيعود إلى مرحلة الشراكة التي كانت موجودة أيام عهد جورج بوش الأب، والابن، وسيعززها، وسيطوي مرحلة “التخلي” التي كانت موجودة إبان إدارة اوباما، وأنه سيلتقي قيادات دول الخليج، وسيحمي الخليج من خطرين، وهما تنظيم داعش المتطرف، والتدخل الإيراني في شؤون دول الخليج.

أما عن اختيارات ترامب التي تشكل قاعدة إضافية باتجاه تقوية العلاقات الخليجية الأمريكية، فقد ظهرت لنا حتى الآن مجموعة من الشخصيات التي يجب أن يكونوا نصب أعيننا، وأن نعمل على التواصل معهم؛ لأنهم سيكونون بمثابة الراسم الحقيقي للسياسة الأمريكية والمخطط لها، وفي مقدمة هؤلاء المليونير “جاريد كوشنير”، صهر الرئيس الأمريكي المنتخب، وأحد الأسباب المهمة لفوزه بالرئاسة، حيث كان يعمل في صمت وخلف الكواليس، ووصفته الصحافة الأمريكية بأنه الذي يقود عملية تشكيل الجهاز الحكومي لإدارة ترامب، ويراقب عملية البحث عن الموظفين من الحلقة الرفيعة في فريق ترامب. 

كوشنير، صاحب الـ 35 عامًا والمرشح الأوفر حظا لشغل منصب كبير المستشارين في البيت الأبيض كان من أنشط المساعدين لترامب في حملته الانتخابية، وأنه من قلب موازين حملته الانتخابية على مستوى الإعلام الرقمي، ويملك أمبراطورية عقارية ضخمة، إضافة إلى واحدة من الصحف الأمريكية المعروفة، وهي نيويورك أوبزرفر، التي كان لها دور إعلامي مهم في الدفاع عن ترامب، كما كان كوشنير مساهمًا فاعلا في وصول ترامب لمنصة الرئاسة الأمريكية بخططه وإستراتيجياته.

أما الشخص الآخر الذي يجب أن نتابعه عن كثب، فهو المرشح لمنصب وزير الدفاع “جيمس ماتيس”، وهو جنرال متقاعد تم إبعاده في عهد الرئيس أوباما بسبب حماسته الزائدة لمواجهة إيران عسكريا، ومن أشد المعارضين للاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، كما أنه من مؤيدي حل الدولتين، ويرفض المستوطنات الإسرائيلية على اعتبار انها عقبة رئيسية أمام عملية السلام، وهي مواقف تقترب من المواقف الخليجية وتشكل أساسًا مهمًا للتقارب الحقيقي الذي يبنى على أساس من المصالح بين الجانبين.

إن كسب دول الخليج لشخصية ستكون مؤثرة في صنع القرار الأمريكي مثل ماتيس، والذي يحظى بقبول واسع في دوائر الكونجرس وفي الأوساط السياسية وأيضًا داخل الجيش الأمريكي، يساعد في تحقيق هدف إستراتيجي لدول الخليج يتمثل في وقف حال التمدد الإيراني في دول المنطقة، والذي يحدث الآن دون حسيب أو رقيب، حيث إن إيمان دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الخطر واقتناعها بذلك يسهم كثيرًا في التصدي لإيران وإلزامها بحدودها، لاسيما أن ماتيس يحمل مشاعر معادية لإيران، ويرى أنها أكبر تهديد محدق بالاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. 

وإذا انتقلنا للنائب الجمهوري “مايك بومبيو”، المعروف بمواقفه اليمينية المتشددة والمرشح لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية “سي.آي.إيه”، فهو يزيد من احتمالات انتهاج الإدارة الأمريكية المقبلة خطًا متشددًا تجاه إيران؛ لأنه من المعارضين للاتفاق النووي، ومن الموقنين بالخطر الإيراني على السلام في المنطقة، ويرى في طهران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم. 

أما الجنرال المتقاعد “مايك فلين”، المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي، فهو من المهمتين بالقضاء على خطر تنظيم داعش الإرهابي، وممن يحملون إدارة أوباما مسؤولية التخطيط بشكل مدروس لنهوض هذا التنظيم في سوريا.

معنى ذلك، أننا سوف نرى نقاط اتفاق كثيرة وإستراتيجية مع أكثر من شخص في الإدارة الأمريكية المقبلة، وهو ما سيولد مصالح مشتركة وقوية إذا ما تم التحرك السليم والعمل مع هذه الشخصيات الفاعلة؛ لتعزيز مصالحنا، خاصة أن المواقف التي تتخذها هذه الشخصيات، والتي تتقارب مع مواقفنا لا تنطلق بكل تأكيد من رغبتهم في تحقيق مصالحنا نحن وإنما مدفوعة بالأساس من المصلحة الأمريكية ذاتها، وهو ما يفرض على دول الخليج ودبلوماسييها رسم الخطط بعيدة المدى للتواصل والتعامل مع هؤلاء، آملين أن نرى خطة خليجية متكاملة ورؤية موحدة متماسكة تفترض تعاملا مغايرا، وتهدف لتحقيق مصلحة وأمن دول الخليج ودعم اقتصادها وتعزيز استقرارها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية