+A
A-

«حفر في الذاكرة» معرض للفنان البحريني عبدالرحيم

رهانه الدائم كان الــ «حفر في الذاكرة» فكان عنوناً لمعرضه الذي افتتح، مساء السبت، في جمعية البحرين للفنون التشكيلية (البديع)، تحت رعاية سعادة الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة وكيل وزارة الداخليية لشؤون الجنسية والجوازات والإقامة الرئيس الفخري لجمعية البحرين للفنون التشكيلية.

فبين بلاغة النفّري في تشكيل حالة التصوف و بين سطوة التقنية وبراعتها وجبروت اللون كانت أشتغالات الفنان البحريني جمال عبدالرحيم، فاللوحة لديه صيغت بذلك المعنى المجاوز لما هو اعتيادي، لأنها وببساطة نتاج ذلك البناء وتراكم التجربة المتصلة بالمعرفة و الإحساس الفني الرفيع. لتكتمل صورة المعرض من خلال تلك القطع النحتية التي تتسم خامتها بالعجرفة و القسوة الفاتنة، فقطعة الخيل المشكلة من خامة البرونز كانت كفيلة بأن ترغم المتلقي لها على شحذ مخيلته، لكأن وقع حوافر الخيل تنحت حكاية ذلك الضجيج الذي يسبق حالة انهيار عوالمنا الإنسانية.

لهذا لم يكن الفنان والأكاديمي المقيم في جنيف سويسرا الدكتور عيسى حنا ديبي، ليبتعد في حديثه عن المعرض عن هذا السياق، فقد تحدث عن معرض «حفر في الذاكرة» لعبد الرحيم بأنه أشبه بصراع جمالي حميم بين كل من النص والشكل والمعنى التي تعود إلي جذور مدرسة الحداثة العربية، ولكن بأدوات ولغة معاصرة متينة، تضع أعماله في مركز النقاش حول المعاصر والحديث في الفن، حيث الأدوات واللغة في تناغم جمالي، وتناقض ديالكتيكي في المواضيع المقدمة التي تربط بين حياته كفنان وبحار، يغوص في أعماق البحر العربي باحثا عن المعنى في الثقافات والحضارات الانسانية.

مضيفاً بأننا نرى وبشكل رقيق تأثير الجماليات المختلفة في أعماله. ولكن يجب الوقوف بشكل مدروس عند تجربته كحداثوي معاصر نجح وبشكل ماهر في أن يقدم الجديد في المعنى والشكل بأدوات متقنة وحرفة بالغة الحساسية.

مختتماً حديثه بأنها تجربة فنية غنية على مدار ثلاثين عاما، تدرب بعرقه وفكره، وخاطب وتعاون مع خيرة الرواد في البحرين كما عمل مع كبار الشعراء العرب. هذه تجربة مميزة لفنان خارج عن النص والروتين، يصارع البحر بفكرة وينتثر عليه صباحا مع كل ورقة مبللة بحبر المعرفة والتوق إلى الجمال، يحفر بالذاكرة ليرينا ما هو في الارض عميقا، وما وراء البحر والجبال وما في السماء في مساحة محفورة مسطحة أو مكعبة من المعلومات الجمالية، تحاكي وعينا الجمالي وعلاقتنا المركبة مع الجمال والطبيعة والحياة. جمال عبد الرحيم ما زال ينقش في الحياة، خطا ونصا ولونا ويقدم أجمل ما انجزه للثقافة العربية البصرية والفن العربي الحديث المعاصر في وجهة نظر مميزة وثورية، خارج الشعارات والركاكة. فهو عازف متمرس وباحث يغوص في أعماق الأزقة ليأتي لنا بالضوء، ضوء البشارة الآتي من آخر النفق ويقول أن الفن هو الحياة والجمال، وأن الالتزام في الابداع هو أصل الحكاية وبداية الأسطورة.

لينتهي بأن هذا الفنان العربي الأسمر ابن البحرين - واصفاً بالحديث الفنان جمال عبدالرحيم - بأنه يقدم هنا تجربة شاملة تضعه بكل استحقاق وبامتياز في مرتبة الرواد في الحداثة البصرية عربيا.