+A
A-

المملكة تنافس كبريات الدول في التقدم والحرية والمساواة

 لؤلؤة الخليج ومركز تجارة العالم الحقيقي في قلب الخليج العربي، حقاً تبهرك عندما تختلط بشعبها المثقف الواعي، ففي أبسط الأحوال وأنت تتجول في شوارعها وأزقتها وأسواقها تحفك روائح الماضي التليد ليخرج عليك كهلاً في السبعينيات من عمره ويحدثك عن التاريخ وعن بحرين آل خليفة الذين مزجوا الحاضر بالماضي، وجعلوا من هذه المملكة محطاً لأنظار العالم، بل يبهرك وهو يتحدث الإنجليزية والبرتغالية والأوردو، ثم يعرج بك عن شظف العيش بالماضي ورغد العيش الحالي. 

وكلما توغلت في قلب البحرين النابض بالحيوية كلما أيقنت أن الأمد القادم الذي يخطه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين لمستقبل هذا الوطن هو في وجدان ملك ينظر للمستقبل بعين ثاقبة لشعب وفي ومخلص لأمته ووطنه ومليكه. هكذا يرى البحرين كل من زارها وكل من عاش فيها، وهكذا تتحدث القلوب قبل الألسن، فلم يسرد لنا التاريخ فقرة عن جزيرة العرب إلا وتبعها بالبحرين، ولم تعرف العرب أرضاً في حمايتها وتجارتها كالبحرين، فهي البوابة الشرقية المهمة للعرب، وهي الخط الأول لها، أطلق عليها الرحالة والمستكشفون لؤلؤة الخليج، ومنذ أن استوطن البشر أرضها في أوقات قديمة ما قبل التاريخ كان هناك موقع جنة عدن.

من هذه المنطلقات عرف الكاتب والمؤلف خليل بن إبراهيم قريبي مجلده عن البحرين أرضا وحكومة وشعبا، واستند  في إعداد وتجميع وتأليف كتابه الوطني من الحجم الكبير عن مملكة البحرين قديماً وحديثا على الكثير من المراجع العلمية والوثائق المصورة، موضحاً أن هذا العمل الموسوعي الضخم استغرق أكثر من عامين تخللهما قراءة وفحص العديد من البحوث والتقارير والمراجع واللقاءات الميدانية ذات العلاقة بمحتوى الكتاب، حيث تكوَّن الكتاب من أربعة عشر باباً وخمسة عشر فصلاً استهلها الباحث بمدخل إلى تاريخ مملكة البحرين، ثم قيام الدولة وسرد مبسط مصحوب بالصور عن أخبار الدولة في القرن العشرين وحقائق ورصد إحصائي غني بالمعلومات والأرقام الموثقة.

وأشار الباحث والمؤلف قريبي في تقديم الكتاب إلى أن البحرين تمتاز بموقعها الإستراتيجي في الخليج العربي الذي جلب إليها العديد من البشر من بينهم الأشوريون والبابليون والإغريق والعرب، كما شدَّ الموقع الجغرافي لأرخبيل البحرين في منتصف جنوب الخليج العربي العديد من الغزاة، وأطلق عليها اسم “البحرين”؛ لأنها بمحاذاة الخليج العربي وبحر العرب.

وحقيقة القول كما جاء في مقدمة الكتاب أن اليوم لا يمكن لأي عاقل ومدرك أن يتجاهل الدور الريادي لمملكة البحرين على مستوى العالم، فهي دولة ذات سيادة عالمية ولها مكانتها على الصعيدين العربي والعالمي، واستطاع الملك حمد بن عيسى آل خليفة أن يسير بها كما فعل آباؤه وأجداده من قبل إلى بر الأمان بفضل الحنكة السياسية التي اتبعها في رقي المملكة، وخطى جلالته بمملكة البحرين نحو النمو الاقتصادي المتنامي لتصبح البحرين دولة منتجة، وتعتبر اليوم الدولة الأسرع تقدماً اقتصادياً في العالم العربي كما أقرت ذلك لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، ويعتبر اقتصاد البحرين الأكثر حرية في الشرق الأوسط حسب دليل الحرية الاقتصادية، ويؤكد المؤلف أن فكرة الملك حمد تتمثل في اعتناق الحرية الاقتصادية بسبب حاجتها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن تمديدات النفط المحدودة بخلاف الدول الأخرى المنتجة للنفط، ولعل من المناسب هنا قوله بأن البحرين هي أول دولة خليجية يكتشف فيها النفط، وبحسب النسبة الاحتياطية المحدودة عملت الحكومة البحرينية منذ عقد ونيف من الزمن على تنويع اقتصادها ونجحت في جعل الدولة الأكبر في العالم في إنتاج الألمنيوم السنوي بحوالي 525.000 طن متري.

 

عهد الملك حمد

تنوع باب عهد الملك حمد في الكتاب، بالعديد من الموضوعات والتحقيقات والرؤى الحاضرة والمستقبلية في عشرة فصول، استعرض المؤلف في مقدمتها سيرة جلالة الملك حمد بدءاً بمولده ونشأته ودراسته حتى ولايته للعهد في 27 يونيو 1964م عندما تقلد المنصب في سن مبكرة، إذ لم يزل في الرابعة عشرة من عمره، فأصبح بذلك الرجل الثاني في سلم الحكم بعد والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة عليه، ومشيراً إلى أن عند استلامه للحكم بدأ بحملات إصلاحية في البلاد شملت الإفراج عن جميع السجناء السياسيين وحل محكمة أمن الدولة وألغى المرسوم 1974 بشأن أمن البلاد، وعودة المواطنين البحرينيين الذين عاشوا خارج البلاد. 

وأعقب المؤلف ذلك بالحديث عن أبرز أبناء الملك، بدءاً بولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، مبرزاً قول سموه: “إن رأس المال البشري محور أساسي لجهود التنمية، ولا تنمية من دون الاهتمام بالثرة البشرية التي هي رصيد الدول”، ومروراً بسمو الشيخ ناصر بن حمد، والذي يؤكد. بقوله: نصنع المستقبل بتطوير قدرات الشباب للمشاركة في تنمية المملكة.

وفي الفصل الأول من هذا الباب بدأه المؤلف بالمشروع الإصلاحي للملك حمد الذي أطلقه منذ توليه سدة الحكم، والذي تميز بالعديد من السمات أهمها أنه مشروع وطني جامع التفَّت حوله جميع القوى والتيارات السياسية والدولة والمجتمع وجماهير الشعب البحريني، ويقدم الديمقراطية كنمط للحياة السياسية من خلال تعزيز المشاركة وتأكيد دور المؤسسات خصوصاً السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، ويحفظ للدولة أسساً من سيادة القانون وفصل السلطات بما يحقق أهداف النمو والنهضة. وجاء المؤلف في الفصل الثاني ليتحدث عن الثقافة السياسية وتعزيز الوحدة الوطنية في مملكة البحرين، موضحاً أن عملية الإصلاح والتطوير الذي يعد المشروع الإصلاحي للملك حمد مثالاً بارزاً لها، يؤكد تجسيد الوحدة الوطنية. 

وفي السياق ذاته يؤكد سمو رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة أن قوة البحرين تكمن في تلاحم شعبها وتوافقهم الوطني وفي سلامة جبهتها الداخلية التي ستزداد قوة في مقبل الأيام.

وهكذا استعرض المؤلف في الفصول اللاحقة من هذا الباب، ميثاق العمل الوطني والتكامل بين رؤية الملك وتطلعات أبناء الوطن ، والرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين حتى 2030 التي جاءت لتستهدف المواطن البحريني ورفع مستواه المعيشي،وتوفير كل السبل لتحقيق طموحاته وتطلعاته، وهي عبارة عن مجموعة من الطموحات التي يحتاج الوطن التوصل إليها خلال السنوات المقبلة. كما تطرق الكتاب إلى التعليم في البحرين ما بين مطلع القرن العشرين والآن، وأكد المؤلف في فصل الإنسان البحريني بين الضمانات المحلية والدولية على أن التنمية البشرية في البحرين هي رؤية ملكية تتحقق على أرض الواقع، حيث الاستثمار في الإنسان البحريني بات عنواناً لكل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تبنتها ونفذتها الدولة.

وفي الأبواب اللاحقة من هذا الكتاب تحدث المؤلف عن أوجه السياحة في مملكة البحرين والحياة الثقافية والفنية والآثار فيها، مبرزاً قول الملك حمد أن البحرين منار للعلم والثقافة والمعرفة، حيث أكد جلالته أن البحرين ومنذ القدم شكلت جسراً للتعاون والتواصل مع مختلف الحضارات والثقافات العالمية، ومشيراً جلالته إلى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق رجال الفكر والمسرح والأدب تعزز من روح الوحدة الوطنية وتبرز قيم الخير والمحبة بين الجميع. واستعرض المؤلف تاريخ صيد اللؤلؤ والمهن والحرف البارزة في مدن وقرى البحرين، ويعتبر صيد اللؤلؤ من أساسيات الحياة في البحرين ويفاخر أبناؤها باللؤلؤ الذي عرفت به دلمون قديماً وحديثاً، فاللؤلؤ البحريني يعد من أفخر أنواع المجوهرات وأثمنها، ومازال البحرينيون يتذكرون كيف كرم نائب حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة أمير الشعراء أحمد شوقي عندما أهداه شجرة مذهبة مرصعة باللؤلؤ الطبيعي البحريني عند تنصيبه أميراً للشعراء العام 1927. وفي الواقع تكاد تكون مهنة صيد اللؤلؤ مهنة مندثرة بين أبناء المجتمع البحريني المعاصر كحال بقية أبناء الخليج، فمع ظهور النفط في الخليج العربي أواخر ثلاثينات القرن العشرين بدأ أبناء البحرين في هجر هذه المهنة، والعمل في الشركات النفطية والشركات والدوائر الحكومية التي أصبحت تدر دخلاً كبيراً أغرى الجميع على هجر هذه المهنة الشاقة حتى اختفت تقريبا.

وأفرد المؤلف باباً كاملاً عن قوة دفاع البحرين حصن الأمن ودرع الاستقرار، وهو الاسم الذي يطلق على جيش البحرين، ثم في باب جديد استعرض المؤلف العديد من المنجزات التي حققتها حكومة البحرين طوال مسيرتها الناجحة منذ أكثر من نصف قرن تولى دفتها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء منذ الاستقلال سنة 1971، وذلك بعد ساعات من التوقيع على وثيقة إنهاء المعاهدة الخاصة التي كانت قائمة بين البحرين والمملكة المتحدة في 15 أغسطس 1971، حيث صدر عن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله حاكم البحرين آنذاك مرسوماً بشأن إعادة التنظيم السياسي والإداري للبلاد، وطبقاً لهذا المرسوم، فقد تم تغيير اسم إمارة البحرين إلى دولة البحرين وكذلك لقب حاكم البحرين وتوابعها إلى أمير دولة البحرين، وتبع ذلك صدور مرسوم آخر بإعادة التنظيم الإداري للدولة، حيث تم تغيير مسمى مجلس الدولة إلى مجلس الوزراء ورئيس مجلس الدولة إلى رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الدولة إلى وزراء. واستطاعت الحكومة خلال الأعوام القريبة الماضية برئاسة سمو رئيس الوزراء أن تحقق العديد من النجاحات وإنجاز 81 % كنسبة عالية من برنامج عمل الحكومة للسنوات 2011 حتى تاريخه في المجالات كافة التي تستهدف مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها مملكة البحرين، وقد تركزت كل خطط عمل الحكومية على تحقيق جودة الحياة للمواطن من حيث مستوى المعيشة والصحة والتعليم والإسكان والثقافة وغيرها انطلاقاً من قاعدة أساسية هي أن المواطن هو غاية التنمية وهدفها.

العلاقات السعودية البحرينية – الضلع المتين

وفي الباب الرابع عشر والأخير من كتاب البحرين: إنجاز ملك ووفاء شعب الذي ألفه وجمعه وأعده الإعلامي خليل بن  إبراهيم قريبي، والذي جاء في خمسة فصول تحدثت عن تاريخ العلاقات السعودية البحرينية، وهي الضلع الأقوى كما عنونها المؤلف مستعرضاً كيف أن البلدين يربطهما قلب واحد وعلاقة تضرب جذورها في أعماق التاريخ تزداد رسوخاً وازدهاراً على مر الزمن، حيث تعود جذورها إلى حدود قيام الدولة السعودية الأولى (1745 – 1818م) إلى عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية رحمه الله تعالى، وضرب بذلك مثلاً تاريخياً يؤكد هذا التاريخ من العلاقات الوطيدة، إذ كان الملك عبدالعزيز يثق ثقة تامة في حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وكان يستشيره في كثير من الأمور، وهذا واضح من الرسائل المتبادلة بين الحاكمين، حين قال الملك عبد العزيز: لن أرضى حتى أراك في مكة، ولبى الشيخ  الدعوة في 1939، وأورد المؤلف في هذا الباب الزيارة التاريخية للملك عبدالعزيز إلى البحرين (1930)، وهي الزيارة الثانية له، إلا أنها تعتبر الأولى لجلالته وهو ملك. 

وتابع المؤلف السرد التاريخي للعلاقات السعودية البحرينية إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مروراً بعهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى الذي قال في مستهل زيارته التاريخية للبحرين “إن المملكتين كل لا يتجزأ وهما جسدان تنبض فيهما روح واحدة، وزيارتنا لا  لتضيف جديداً، بل لتقول للآخر إننا وطن واحد في السراء والضراء، في حين أكد الملك حمد بن عيسى آل خليفة أن المملكة العربية السعودية عمق البحرين الإستراتيجي وبيت العرب الكبير”. 

وقد شهدت هذه الزيارة مشهداً تاريخياً تمثل في تسلم خادم الحرمين الشريفين السيف الأجرب (شريان الدم الذي يربط آل خليفة بآل سعود)، وهو سيف الإمام تركي بن عبدالله آل سعود الذي وطد به دعائم الدولة السعودية، وقال عنه البيت المشهور:

 من يوم كل من رفيقه تبراه

حطيت الأجرب لي صديق إمباري

 

وأورد المؤلف القصة التاريخية الكاملة للسيف الأجرب، والذي قال فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله: الأجرب تعبر عنه مكارم الأخلاق والقيم الذي حفظته وصانته وأكرمته، وقال عنه جلالة الملك حمد: لقد ظل هذا السيف رمزاً للعائلة الواحدة والأصل الواحد والموقف الواحد. وتابع المؤلف سرده التاريخي للعلاقات البحرينية السعودية وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وأخيه الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

ويختتم المؤلف خليل قريبي هذا الكتاب بقوله: لقد أضحت مملكة البحرين اليوم وهي تعيش ازدهاراً منقطع النظير، تنافس كبريات الدول في التقدم والحرية والمساواة التي يعيشها أبناء المملكة على الأصعدة كافة، وقد لخصت كل تلك الأعمال في المشاركة الفعالة للمملكة في المحافل الدولية والعربية كافة، وأصبح المواطن البحريني ينعم بالتقدير والاحترام في العالم، وقد تبنى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة تحديث القوانين التي لم تعد تتماشى مع العصر الحديث، وحثَّ البرلمان البحريني على مواصلة مسيرته في النهوض بكل ما يخدم البلد وتسهيل العقبات كافة من أجل تطوير التقدم والازدهار. 

ويقول: خليجياً، كانت البحرين من أولى الدول التي دعت إلى إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العام 1981، وقدمت كل أنواع الدعم والمساندة لتطوير وتفعيل هذا المجلس؛ كونه مصدر قوة وإضافة ودعما لأعضائه وتعزيزا لقدراتهم على مواجهة شتى التحديات وصولاً إلى الاتحاد الخليجي . 

أما على المستوى الخارجي، فانتهجت المملكة سياسة معتدلة ومتوازنة تدعم القضايا الخليجية والعربية والإسلامية وتركز هذه السياسة على أهمية التعاون بين الدول والشعوب في إطار مبادئ الشرعية الدولية والتمسك بقيم التسامح والاعتدال والتعايش السلمي وترسيخ ثقافة الحوار بين الأديان والثقافات، واستطاعت الحكومة البحرينية أن تحقق العديد من النجاحات وإنجاز 81 % من برنامج عمل الحكومة للأعوام (2011 ـ 2014) في المجالات كافة التي تستهدف مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها البلاد. وقد تركزت كل خطط عمل الحكومة وإستراتيجيتها على تحقيق جودة الحياة للمواطن، من حيث مستوى المعيشة والصحة.. والتعليم والإسكان والثقافة وغيرها، انطلاقا من قاعدة أساسية هي أن المواطن هو غاية التنمية وهدفها.