العدد 3013
الجمعة 13 يناير 2017
banner
“شيخ البنائين”
الجمعة 13 يناير 2017

اللجنة التي سيقوم بإنشائها ديوان الخدمة المدنية لتقييم نسب الأداء للموظفين يمكن أن تكون نقطة تحول كبيرة في تاريخ الوظيفة الحكومية في العالم العربي، إذا ما تم تشكيل هذه اللجنة بشكل علمي وإعطاؤها الصلاحيات التي تمكنها من أداء مهامها على النحو الأمثل. نحن حتى اللحظة لا نعرف شيئا عن كيفية تشكيل هذه اللجنة ولا كيفية أدائها مهمتها، فهل سيتم تشكيلها بعيدا عن المديرين أو الرؤساء المباشرين، أم لا؟ وهل ستعتد اللجنة بما يصدر عن الرئيس المباشر من توصيات تجاه هذا الموظف أو ذاك؟ ولا ندري أية آلية علمية محايدة ستتبعها في التقييم؟

ومع ذلك لابد أن نشير إلى أن تاريخ الوظيفة الحكومية في العالم العربي كله يثبت أن تقييم الموظف أمر غير علمي بالمرة، فتقدم الموظف في وظيفته وحصوله على الترقية يرجع إلى مدى رضا الرئيس المباشر عنه، وقد يرقى الموظف الأقل أداء ويترك الموظف المجتهد، لأن كيمياء هذا الموظف لم تتوافق مع كيمياء المدير. وقد تحدث الطامة الكبرى ويكون المرؤوس أكثر ثقافة وعلما ومهارات من رئيسه، وبالتالي يظل رئيسه متنمرا له منتظرا أي خطأ صغير أو كبير لكي يجهز عليه! ولكن الأسوأ من ذلك هو أن الغالبية العظمى من المديرين يعملون بعقلية شيخ البنائين الذي يريد أن يبقى وحده في الأضواء وألا يفكر أحد أن يصبح في مكانه أبدا، ومن يفعل ذلك لابد أن يدفع ثمنا باهظا ولابد أن يتم وقف تقدمه بكل السبل. وبناء عليه لا يقوم المدير على الإطلاق بإعداد صف ثان يكون بديلا له فيما بعد، وهذا الأمر يعود بالضرر على المصلحة العامة. وبالتالي لابد أن تكون اللجنة التي نحن بصددها لديها من وسائل التحقق والحكم فيما يكفي لقيامها بمهامها على نحو يسير.

زبدة القول: شيخ البنائين   The Master Builderرواية معروفة في الأدب الإنجليزي، من تأليف هنريك إبسن، بطلها لا يؤمن مطلقا إلا بإمكاناته ولا يريد أن يقتنع أنه ليس آخر المبدعين أو المتفوقين الذين خلقهم الله، فهو آخر من ولدت النساء من ذوي الإمكانات الخاصة، وهو لا يسمح لأي بنَّاء من الجيل الذي ولد بعده أن ينال شرف وضع تلك اللبنة التي توضع في قمة الكنيسة، فهذا الشرف قاصر عليه وحده، ولا ينبغي لأحد من بعده. كبر شيخ البنائين وشاخ، وشاخت كل إمكاناته، وهو يصر على مكانه وشرف وضع لبنة الشرف إياها، وكانت النهاية عندما صعد شيخ البنائين إلى قمة الكنيسة ونسي أن هذا الصعود يحتاج أعصابا أفضل من أعصابه. نسي أنها مهمة تحتاج أعصاب الشباب وتوازن الشباب، فسقط على الأرض وانكسرت رقبته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية