العدد 3016
الإثنين 16 يناير 2017
banner
في الحرية (4)
الإثنين 16 يناير 2017

أما القوة المالية فهي في حقيقتها قامت ومازالت تقوم بمنع الإنسان من ممارسة حريته كما يجب، بل تمارس سلبها الإرادة الإنسانية التي تجسدها تلك الحرية، فالإرادة المستقلة للإنسان هي ترجمة حقيقية للحرية الفردية فهما مرتبطتان، لذلك تمثل قوة المال في جانبها السلبي إحدى وسائل انتهاك الحرية وتغييب الإرادة الإنسانية أو قدرة الإنسان على تحديد اختياراته وبالتالي مشاركته في القرار، وهذا ما نراه في ما يطلق عليه انتخابات ديمقراطية في مواقع كثيرة، حيث يكون المال الأساس أما الحرية فتكون محدودة وربما مفقودة ومعرضة لسيطرة رأس المال أو ما يطلق عليه المال السياسي الذي تفشى في مجالات غير محدودة في الآونة الأخيرة. 

في كتابه “العقد الاجتماعي” يتحدث “جان جاك روسو” عن هذه القضية ويعبر عنها تعبيرا دقيقا وكأنه يتحدث عن واقعنا المعاصر حين يقول (... أما في ما يتعلق بالمساواة – وهي أحد مظاهر الحرية – فإنها تعني ألا يبلغ أي مواطن من الثراء ما يجعله قادرا على شراء مواطن آخر، وألا يبلغ مواطن من الفقر ما يدفعه إلى بيع نفسه، إذا أردت أن تضفي على الدولة ثباتا، قرب بين الحدود القصوى بقدر الإمكان فلا يبقى غِنى فاحش ولا فَقرُ مُدقِع. إن أحدهما يؤدي إلى وجود أعوان الطغاة، والآخر إلى الطغاة. وفيما بينهما تُشتَرَى الحرية وتُبَاع. أحدهما يشتريها والآخر يبيعها). وفي هذه العبارة يجسد “روسو” قوة المال وتأثيرها على الحرية حين يكون الإنسان في حاجة مادية تجعله يقدم على التخلي عن حريته وقراره مرغما في سبيل حفنة قليلة من المال، أي أنه يقدم على بيع حريته وقراره لطرف آخر ليتحكم بها ويسخرها لخدمته وزيادة قدرته على شراء حرية أفراد آخرين في المجتمع، وهو ما يجعل أفرادا قليلين يستولون على حرية المجتمع ويستخدمونها لتعميق حريتهم المحدودة أمام حرية المجتمع الواسعة. 

في الكثير من المجتمعات التي يطلق عليها - تجاوزا - مجتمعات ديمقراطية تكون الحرية الفردية مكفولة دستوريا وقانونيا في صورتها النظرية فقط، أما سياسيا وواقعيا فلا يكون لها وجود وإن وجدت تكون عرجاء لا تستطيع السير، ويكون المتحكم الرئيس فيها هنا هو المال وسيطرة أصحاب رؤوس الأموال على كل جوانب العملية الديمقراطية مجسدة في سلب إرادة الناخب وتوجيه قراره أو اختياره، والنتيجة أن نتاج العملية الديمقراطية في صورتها التي نراها الآن تحقق إرادة المال في صورته البشعة لا إرادة أفراد المجتمع مجتمعين التي تمثل الحرية والديمقراطية كما يجب أن تكون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .