العدد 3017
الثلاثاء 17 يناير 2017
banner
في الحرية (5)
الثلاثاء 17 يناير 2017

في الأنظمة الديكتاتورية، سواء كانت فردية أو عسكرية أو طبقية أو غيرها، تتلاشى أو ربما تنعدم الحرية الفردية الإنسانية التي يجب أن يتمتع بها كل أفراد المجتمع، حتى لو تم تغليفها بنصوص دستورية تتحدث عن حرية الفرد ومشاركته السياسية ودوره في صناعة واتخاذ القرار، فالواقع المادي يكون مخالفا لذلك وتكون تلك النصوص مجرد كلمات فاقدة للمعنى وغير معبرة عن المعنى الذي تحمله، وهو الواقع الذي تحكمه القوة المادية لا القوة الدستورية أو القانونية، لذلك تغيب في مثل هذه الأنظمة الحرية التي يدعو لها الجميع أو تتحدث عنها الدساتير والقوانين، والخطير في كل ذلك أو في مثل هذه الأنظمة أن بعضها يتحدث عن الديمقراطية والحرية الفردية ويضع دستورا يحدد ما للمواطن وما عليه، ولكنه في حقيقة الأمر يمارس الديكتاتورية بكل صورها حين يركز السلطة في جهة معينة، وهو ما يصنع الديكتاتورية المغلفة بالديمقراطية، لذلك يمكن القول إن هذا النظام قد يكون أخطر من النظام الديكتاتوري المباشر كونه يغلف ديكتاتوريته بالقانون.

ومما يزيد الطين بلة أنه في الكثير من هذه الأنظمة وبسبب سيطرتها على القوى المختلفة في الدولة تستخدم الوسائل الديمقراطية وعلى رأسها الاستفتاءات لترسيخ هيمنتها واستفرادها بالقرار، خصوصا لو علمنا أن هذه الاستفتاءات تتأثر بالعناصر المختلفة التي تحدثنا عنها في الفقرات السابقة، وأحيانا تستند على التزوير.

في مثل هذه النوعية من الديكتاتوريات تحاول الجهات المهيمنة تزيين صورتها بشتى الطرق دون المساس بهيمنتها على السلطة والقرار، لذلك تزين دساتيرها بمفاهيم مختلفة عن الحرية وحقوق الفرد والديمقراطية وغيرها من المفاهيم والعبارات الإنسانية، غير أن تلك الدساتير تحمل بين ثناياها (خصوصا في عصرنا الحديث) ما ينسف كل تلك المفاهيم ويجردها من قدرتها على الفعل والتأثير، وتمثل بالتالي تلك الدساتير مجرد إطار جميل للزينة يحمل نوعا من التحف الفنية التي مكانها إطار يعلق على جدار بارز لمن يريد الرؤية والنظر إلى تلك التحفة والتمتع بجمالها دون المساس بها أو الحق في استخدامها، وبهذا تكون مثل هذه الأنظمة قد استخدمت مفاهيم الحرية لتكريس حريتها وتجريد المجتمع من حريته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .