العدد 3019
الخميس 19 يناير 2017
banner
نتأجّل حتى ينقشع الغبار... أو ننقشع
الخميس 19 يناير 2017

هذا اليوم، أردت الخروج من أجواء السلبية التي رافقت ما أكتب (وما تكتب الغالبية من الزملاء والزميلات) في الفترة الأخيرة، والانثناء قليلاً إلى جوانب تشيع الأمل، وكنت قد أعددت العدّة إلى هذا، ولكن تأبى الحوادث إلا أن تأخذنا إلى المناطق التي تحب، والشعور الذي يتغذى عليه هذا الشعور الذي لا يشبع ولا يكتفي، ألا وهو التبرّم، أو كما نقول محلياً: “التحلطم”.

إذ لم ننهض بعد من تداعيات مسألة أسعار المواد الاستهلاكية التي شغلت الرأي العام بشكل كبير، وكنا حينها لا نزال نحاول أن نصحو من نتائج هروب عشرة من المحكومين من سجن جو بعد هجوم مسلح على السجن، الأمر الذي أدخل الكثير من الناس في سلسلة من الحوارات الساخنة التي جعلت قضية الوفد الصهيوني الذي زار البحرين والذي كان صانع “الأكشن” الأساسي إذ ذاك، تعلو على الجدل الذي دار في مسألة “قتيلة الرفاع” وجعلها تتأخر بعد أن كانت محوراً قبل أيام قليلة؛ حتى زاد الشريحة الكبرى من موظفي القطاع العام نبأ أن لن تكون هناك زيادات نظراً للوضع الاقتصادي الصعب المتأتي من تناقص المداخيل لتناقص إيرادات النفط. وإذا كان القطاع الخاص لم يبادر من تلقاء نفسه في سنوات “المكارم” بمنح موظفيه نفحات نقدية، فلن نستغرب إذا ما رأيناه يزايد على التوجيهات الحكومية بضبط المصاريف، والحلول القاسية التي يمكن أن تصدر تأسّياً بالقطاع الحكومي.

إذا ما نظرنا إلى كل هذه الحوادث الثقال التي سردتها قبل قليل، سنجد أنها وقعت في هذه الرقعة الصغيرة قبل أقل من شهر واحد فقط، فأيّ مواطن يمكن أن يخرج من حجري رحى هذه الأوضاع؟!

لقد ترك الكثير من الناس ما يجب عليهم فعله ليتحولوا إلى محللين سياسيين، ومفتشي شرطة، وقضاة، ومحامين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، واقتصاديين، أما تقمّص دور رجال الدين والزُّهّاد، فهذا شأن يومي لا غضاضة فيه، ولكننا بالفعل عشنا أياماً من الفوضى النفسية والشعورية، وافتقاد الراحة، والتأرجح بين المشاعر البالغة الصعوبة، والمتطرفة في خوفها، وحذرها، وغضبها، وحزنها، وإحباطاتها، مع توالي الغرامات التي يجري التلويح بها ضد شرائح كثيرة بدءاً من صانعات الكاب كيك في المنازل والبيع بالإنستغرام، وصعوداً شيئاً فشيئاً إلى الطبقات الأخرى من دون أن يقولوا ما الإجراءات التي يمكن أن تتخذ للحيلولة دون استمرار الظواهر، وكيفية التفتيش عليها.

إننا نتضرع لأن تكتفي الحوادث بما فعلته بنا إلى الآن، فها نحن ذا مسلّمين أمرنا، نتلقى الضربات تلو الضربات بالصبر، نؤجل أحلامنا، نجمّد شعورنا لئلا يتعفن لشدّ ما تعرض للانتهاش، نأسر آخر الضحكات التي انطلقت نقية من القلب لنخزنها للزمن القادم فقد يعزّ حينها الضحك، نغلق دفاتر المشاريع لئلا تتطاير أوراقها ونحن من الخوَر بحيث لا يمكننا لمّها، نرسم على الحيطان لوحة خرافية لوجه يبتسم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .