العدد 3023
الإثنين 23 يناير 2017
banner
ليس بالزيتون وحده
الإثنين 23 يناير 2017

منذ أن كان البريد الإلكتروني وسيلة التبادل والتراسل اليومي بين الناس، وحتى يومنا هذا، وقصة الزيتونة والوفر المالي، تدور بين المجموعات البريدية، وعادت لتدور بين مجموعات (قروبات) واتس آب، حتى شككت أنها من المؤامرات التي تحاك ضدنا، أو أنها نوع من أنواع التخدير الجمعي الذي يمارس ضد الشعوب.

حتى أسهم في نشر قصة الزيتونة؛ يقال – والعهدة على الراوي – إن الخطوط الجوية الأميركية (أميريكان إيرلاينز) قامت في عام 1987م بتوفير زيتونة واحدة من كل صحن سلطة يقدم لركاب الدرجة الأولى، فحققت وفراً قدره 40 ألف دولار في عام واحد! والمغزى من القصة أن لا تستهن بصغائر الأمور، فعندما تجمعها مع بعضها ستشكل رقماً مهمّاً. صحيح أن مبلغ الأربعين ألف دولار لا يعني شيئاً لشركات الطيران ومصاريفها الهائلة، ومن لا يصدّق عليه أن يراجع كم مرة ضخت الحكومة الملايين في شرايين طيران الخليج لإنقاذها من عثراتها، ولكن تبقى عبرة حبة الزيتون ماثلة أمامنا.

ويبدو أن هناك من استعار القصة بشكل خاطئ، فأخذ يعاملنا كركاب الدرجة الأولى في شركة أميركان أيرلاينز، إذ رأى أننا “مدللون” أكثر من اللازم، وأن الطائرة ستقلع بنا أو من دوننا، وأننا مضطرون للركوب، فليس لنا مقاعد أخرى، بل إننا نحب هذه الطائرة تحديداً، ولا نتصور أنه يمكننا يوماً ما استبدالها بطائرة أخرى، ولا يمكننا أن نتخلى عن مقاعدنا، كما نأبى أن نؤجر هذه المقاعد لغيرنا، نتمسك بها لدرجة خرافية... ليست هذه الطائرة التي نحن على متنها الأجمل، ولا الأنظف، ولا الأفخم، ولكن لا تدري لماذا تشعر بأنها قريبة إلى القلب، من الصعب عليك أن لا تمنحها المحبة والإخلاص. غير أن أحدهم قرر من تلقائه أن يسحب حبة الزيتون من أطباق سلطتنا، لن نتضايق جراء حبة الزيتون هذه... لا يهم، فيمكننا العيش من دون الزيتون، بل ومن دون السلطة أيضاً، وأساساً السلطة إذا لم يجر غسلها جيداً يمكن أن تتسبب في بعض الأمراض التي نحن في غنى عنها... ولنتصور حجم كل أطباق السلطات التي على متن الطائرة، هل يمكننا أن نتخيل أن الطائرة يمكن أن تقلع بهذه الحمولة؟! 

الأمر لم يتوقف عند الزيتون، فالقرارات، ومشاريع القرارات المتوالية في الفترة القصيرة الماضية صارت تمدّ يدها مباشرة إلى جيوب الركاب تحت حجج مختلفة، وجرى إطلاق يد الجميع في هذا الشأن، فكل جهة عليها أن تتدبر مسألة إيراداتها، إما برفع الرسوم أو باستحداث رسوم، وإما بالاثنين معاً، ويبقى الراكب هو نفسه الذي أينما ولّى وجهه وجد من يطالبه ولو حتى بالقليل، حيث لم يبق في القليل إلا القليل.

ليست المشكلة في زيتونة تنتزع من صحن السلطة، بل التساؤل عمّا سيبقى في الصحن في نهاية المطاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية