العدد 3029
الأحد 29 يناير 2017
banner
أمة عظيمة
الأحد 29 يناير 2017

لم يكن دونالد ترامب أول رئيس أميركي يرفع شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، إذ سبقه في ذلك رونالد ريغان، لكن كلا الرئيسين لم يذكر ما الذي يجعل أميركا أمة عظيمة. أهي كذلك بسبب قوتها العسكرية، أم وضعها الاقتصادي، أم نظامها الديمقراطي، أم كل هذه الأشياء مجتمعة؟

لا يختلف اثنان على أن أميركا دولة عظمى تقود العالم فعليًا، لكن سر عظمتها لا يكمن في أي من الأسباب المذكورة آنفًا، فعلى الصعيد العسكري تعرضت أميركا لهزيمة مذلة في فيتنام، ومع ذلك لم يأفل نجمها، بل على العكس خرجت منها أقوى من ذي قبل، في حين انهار القطب المنتصر.

وعلى صعيد الاقتصاد، تعرضت أميركا لأزمات طاحنة أكثر من غيرها من الدول. وهي ليست الدولة الأغنى في العالم، من حيث نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، بل تسبقها في ذلك 8 دول، من بينها 3 دول عربية، كما أنها تحتل مرتبة متأخرة (23) بين 30 دولة متقدمة، وذلك من حيث الفوارق في توزيع الثروة، بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير.

حتى الديمقراطية الأميركية أصبحت محل تشكيك كثير من الأميركيين، إذ تظهر بيانات مركز سياسة الحزبين (BPC) تراجعًا مستمرًا في معدل مشاركة الأميركيين في الانتخابات منذ 2008، رغم تطور وسائل التصويت. وتتأرجح نسبة المشاركة بشكل عام عند مستوى 50 % منذ سبعينيات القرن الماضي، بعد أن كانت تتجاوز الـ 60 % في عقدي الخمسينات والستينات، مما يعد مؤشرًا على انخفاض مستوى الثقة في نظام الحزبين.

وفقًا لأي معيار، أميركا ليست الأولى في العالم، ومع ذلك تستقبل سفاراتها المنتشرة في جميع أصقاع الأرض طوابير طويلة من المتقدمين للحصول على البطاقة الخضراء، من بينهم أشخاص ينتمون إلى دول أغنى من أميركا، وآخرون من دول أوروبية لديها أنظمة ديمقراطية أكثر تطورًا.

كل واحد من هؤلاء يسعى وراء الحلم الذي تحدث عنه جيمس أدامز في كتاب "ملحمة أميركا"، والذي قدم فيه وصفًا جذابًا لقيم جوهرية رسخها إعلان الاستقلال الأميركي، وعلى رأسها تمكين الإنسان من النمو والتطور إلى أقصى حد دون أن تعوقه أي حواجز إثنية أو عقائدية أو مذهبية.

الأمة التي تنجح في تجاوز تلك الحواجز تتراكم لديها عبر الزمن ثروة قومية قوامها التنوع الاجتماعي والثقافي والفكري والمذهبي. هذه الثروة المهمة ما إن وجدت لدى أي دولة فلا ينبغي التفريط فيها، بل الحفاظ عليها واستثمارها لأنها هي التي تجعل منها أمة عظيمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية