العدد 3033
الخميس 02 فبراير 2017
banner
وكلكم ترامبات لو تعلمون
الخميس 02 فبراير 2017

لم أشهد في السنوات الخمسين الماضية مسيرات ومظاهرات يجري تنظيمها في الدول الغربية ضد رئيس لم ينصَّب بعد، وبعدما تم تنصيبه، سوى هذه الأيام في شأن الرئيس الأميركي الجديد (لا أدري متى ستزال عنه قراطيسه لتزول عنده الجِدّة) دونالد ترامب، وطارت العرائض لتناوئ قراره بمنع الدخول المؤقت لمواطني سبع دول إسلامية في الأشهر القليلة المقبلة إلى الولايات المتحدة، مما أثار موجة سخط عالمية عظيمة عليه، لا لأنهم مواطنو دول إسلامية، ولكن لأن الرجل يفرك بحذائه القيم والمُثل التي قامت عليها المجتمعات والدول الغربية عبر سلسلة طويلة من التضحيات والصدامات الجسدية والكلامية حتى وصولوا إلى ما وصلوا إليه.

كل ما تقدم هو شأن الدول الغربية، سواء وقفوا ضد ترامب أم معه، فهذا – من المفترض – ألا يؤثر علينا. ولكننا في الاندفاعة العالمية هذه نفسها، آثرنا أن نكون جزءاً من هذا العالم المتململ هذه الأيام من تصرفات الرئيس الأميركي، فأخذنا نكيل له أقذع الأوصاف لهذا المنحى، وأخذنا نأمر ترامب بالبر وننسى أنفسنا.

ألسنا (إجمالاً) سابقين لترامب عندما منعت الكثير من الدول العربية مواطني الكثير من الدول العربية من الدخول إلا تحت إجراءات مشددة، ورُزم من الأوراق التي تؤكد أنه ليس أكثر من مواطن عربي؟ ألسنا “ترامبيّو” النزعة ونحن نمنع جنسيات معيّنة من العاملين الأجانب، أو نضيّق عليهم الدخول لأن بعضاً قليلاً منهم ارتكب ما يرتكبه قطاع من البشر من مخالفات من دون علاقة لهذا الأمر بالجنسية أو الجنس أو العرق؟ ألسنا أقل الجهات إغاثة للآخرين في مصائبهم وكوارثهم، وذلك بعد أن نتفحصهم إن كانوا مسلمين أم لا، وإن كانوا مسلمين تعمّقنا لمعرفة ما إذا كانوا من مذهبنا أم لا، فإن لم يكونوا اتصلنا بالمفتين لنسأل عن جواز مساعدة من هم ليسوا على اتجاهنا ومذهبنا؟ ألسنا أقل الناس تقبلاً للاختلاف في الرأي وما وراءه من اختلافات عديدة ثم ألصقنا ذلك بالرئيس السابق جورج بوش الابن الذي قال: “من ليس معنا فهو ضدنا” بينما نحن نردد هذه المقولة بأشكال أخرى، كممارسة مفضوحة نسعى لشرعنتها وقوننتها بحجج متهافتة؟ ألسنا من يمنع بناء أي نوع من المعابد ونعلن الغضب إذا ما جرى التضييق على رفع الأذان في مساجد الدول غير الإسلامية؟ ألسنا من يوظّف الأقارب والأصحاب والأحباب والأنساب، ونجعل منهم أطواقاً ووقاءً بغضّ النظر عن كفاءتهم، وبشكل سرطاني، ثم نأتي اليوم لنسخر بمرارة من تعيين الرئيس لزوج ابنته جاريد كوشنر في منصب كبير مستشاري البيت الأبيض؟

لا كبير فائدة من الاستطراد في عقد المزيد من المقارنات لتصرفات نحن غارقون في ممارستها والتفنن فيها سواء بوعي أم بغير وعي، مجبرين أم متبرعين للقيام بها، لأن الفائدة الحقيقية في تطبيق بعض مما نتشدق به من دين ومأثورات، بينما نحن “ترامبات” متعددون، فلو كانت لدينا القوة اللازم لعملنا مثله، بل تفوقنا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية