العدد 3051
الإثنين 20 فبراير 2017
banner
القول المأثور: سقط المطر وانكشف المستور
الإثنين 20 فبراير 2017

تعيدني الأمطار إلى المناطق التي أحب، ففي المطر الكثير من الشجن وإمكانية العودة إلى الماضي، ذلك أنه شحيح فيبقى في الذاكرة أكثر من الأيام المتشابهة طوال العام.

ومن هذه الذكريات التي لا يمكن أن تنسى المسافة التي كنا نقطعها مشياً من بيتناً عند “الكازينو” (لا أريد أن أموت، ولكن حقيقة أريد أن أعرف من أسمى حديقة عامة بهذا الاسم، ولماذا؟)، وصولاً إلى مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية الإعدادية التي لم تكن لتبعد إلا كيلومترا واحدا وبضعة أمتار. المسير إلى هناك أيام المطر، وعبر “الدواعيس” له نكهة أخرى، إذ نمشي على تشكيلة من الأخشاب والأحجار المختلفة حتى لا نخوض في برك المياه مع الخائضين. لطالما حيّرني سؤال (أقل حدّة من سؤال “الكازينو”) عن من وضع هذه الممرات الآمنة في الطريق، ومتى، ومن أين أتى بالمواد الأولية المتهالكة في واقعها، الثمينة في لحظتها؟ أكون من ضمن السعداء الذين يختبرون قدراتهم على المشي “الجمبازي”، وفي قلبي شكر للمجهولين الذين لو كانوا اليوم لصوروا أنفسهم لحظة بلحظة وهم يقومون بالبطولات!

المجتمع البحريني ليس متفردّاً عن المجتمعات الخليجية التي باتت أكثر احترافاً للشكوى، والتمطّي في انتظار الحلول، وصبّ جام الغضب، والاستهزاء، والتهكم، وتوجيه أسهم الدعاء إلى المسؤولين الذين لم ينشئوا قنوات لتصريف مياه الأمطار، ولم يتعلموا سنوياً من هذه الحالة، والترحّم لحال بيوت ضعاف الحال التي تكون أحياناً دون مستوى الشارع ليغرق أثاثهم وتتعرض ممتلكاتهم للتلف، مع بعض الاستعراضات الفكاهية والكاريكاتيرية للمبالغة في وصف الحال الذي يعيشونه.

ولكن في الحقيقة ربما أقل من القلة هم من يهبّون لعمل شيء في هذه الأثناء، مما قد يخفف وطأة المشكلة، أو يسهم في تخفيف الأضرار عن بعض البيوت والمناطق، أو حتى عمل ممرات مؤقتة للبيوت التي يضطر سكانها للخوض في مياه ملوثة بعضها آت من المجاري، فالكل يعرف أن البحرين لا تقدّم الاستثمار في شبكة تصريف مياه أمطار لا تأتي إلا أياما قليلة في السنة، على حساب الاستثمار في شبكة المجاري مثلاً.

في الاقتصادات الريعية يقل الاعتماد على الشعوب، على اعتبار “أن المجتمع في الدولة الريعية مجتمع استهلاكي اتكالي مستورد لكل شيء”، وهكذا تكون المؤسسات الرسمية الحامية للناس، والمانعة عنهم اتساخ أيديهم بأي عمل يمكن أن يجري استئجار الآخرين للقيام به، وهذا ما فعلته الدول الريعية التي تؤجر اليوم لكل شيء لإدارة الأعمال من بسيطها إلى أعقدها، وحلولها جاهزة في الغالب: “استورد، استأجر، اشتر”، وهذا ما يجعل الشعوب تترهل كسلى، لا تمد يديها في سبيل المعاونة والمساهمة، لأنه ليس مطلوبا منها عملياً وواقعياً أن تفعل ذلك، وليست عليها مسؤولية المشاركة، إلا في الكتب الدراسية، والخطابات الرنانة وغير المقنعة لأنها في وادٍ غير ذي زرع... وغير ذي ناس أساساً. 

تهكّمتُ منذ أيام على تكرار العناوين الصحافية في موسم الأمطار بذكر “سقط المطر فانكشف المستور”، غير أن مستورنا مع المطر ليس في البنية التحتية التي نعلم خفاياها تماماً، ولكنها في البنية المجتمعية التي تحتاج إلى “حفر” و”إصلاح”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية