العدد 3051
الإثنين 20 فبراير 2017
banner
خيارات صعبة
الإثنين 20 فبراير 2017

من يبحث في تاريخ الصحافة فلابد أن يتوقف كثيرًا عند التجربة البريطانية، إذ تعتبر مدينة الضباب مهد الصحافة الحديثة في العالم، ففيها تأسست “أوكسفورد غازيت” في العام 1665، والتي كانت أول من يحمل جميع مؤهلات الصحيفة الحقيقية.

هذه التجربة المهمة أثرتها مجموعة من المؤسسات البريطانية العريقة، ومن بينها “الغارديان” التي تأسست العام 1821، والتي تعد واحدة من أكثر صحف العالم تداولاً وأوسعها انتشارًا، سواء على مستوى المطبوعة أو الإلكترونية, وتحتل المرتبة الخامسة في العالم من حيث عدد القراء.

الانتشار المحلي والعالمي الكبير للغارديان تحقق بفضل استقلاليتها التي مكنتها من الالتزام بمعايير الحيادية والموضوعية، ولهذا يحرص  ملايين القراء على مطالعتها. عند زيارتك لموقع الصحيفة اليوم ستجد بالصفحة الرئيسية هذه الرسالة: “بأقل من ثمن كوب من القهوة في الأسبوع، بإمكانك أن تساعد في تأمين مستقبل الغارديان. ادعم صحافتنا بخمسة جنيهات في الشهر”.

وإذا تتبعت رابط “كن داعمًا” ستنتقل إلى صفحة تتضمن مقطع فيديو قصير يناشد فيه صحافيو الغارديان قراءهم دعم الصحيفة، ورسالة من رئيسة تحرير الصحيفة كاثرين فينر تقول فيها “بدعمكم ستكون لدينا فرصة حقيقية للدفاع عن استقلالية الغارديان والتعاون سويا لبناء مستقبل أفضل وأكثر وعيا”.

الغارديان التي تفاخر دائما بأنها حافظت على استقلاليتها وجرأتها طوال 200 عام، وبأنها نجحت في تسليط الضوء على قضايا حساسة تتحاشى الصحف الأخرى تناولها، تستجدي الدعم المالي من قرائها وتناشدهم التحرك للحفاظ على استقلاليتها. فما الذي يمكن أن يجعل صحيفة بحجم الغارديان تقدم على هذه المحاولة اليائسة؟! 

الإجابة ببساطة هي أن إيرادات الصحف من الإعلانات لا تكفي لتغطية نفقات الصحافة الاستقصائية المستقلة، فهذا النوع من الصحافة يتطلب الكثير من الوقت والجهد والمال، ومن يحرص عليه فلابد من أن يبحث عن حلول غير تقليدية، كرسالة الاستغاثة التي وجهتها الغارديان إلى قرائها، فهي تقول لهم صراحة “أتريدون صحافة مستقلة؟ ادفعوا ثمنها!”.

إذا كانت الغارديان، التي تستقطب 130 مليون زائر جديد كل شهر وتعج صفحاتها وموقعها بالإعلانات، تعاني، فماذا عن الصحف الأخرى؟! وما الخيارات المتاحة؟ هي باختصار خيارات صعبة؛ إما تقليص النفقات على حساب الجودة، أو الغلق، أو الاستعانة بما يمكن أن يجود به القراء، أو التخلي عن الاستقلالية والعمل وفق مصالح الشركات الكبرى التي تستغل هذا الوضع باتباع نهج جديد يعرف عالميا باسم Media buying أو شراء الإعلام، وفي هذا المقام مقال آخر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .