العدد 3054
الخميس 23 فبراير 2017
banner
حلقاتنا المفرغة دوماً... استمرّي
الخميس 23 فبراير 2017

قديماً قال العرب: “إن أردت ألا يشمت بك عدوُّك: لا ترفع العصا عن ابنك”، إذ كانت العصا خير مؤدِّب ومعلم، فعند حُسن تربية الابن وتأديبه، وجعله يمشي على الصراط المستقيم كما مشى آباؤه وأجداده من قبل؛ سيكون بذلك فخراً للأب والعائلة، ومصدر ضيق وغيظ للعدو الذي لن يجد ما يعيب به الأب في أبنائه.

لندع الأعداء جانباً ونلتفت إلى دراسة حديثة صدرت عن باحث في جامعة البحرين تقول إن 20 % من أولياء أمور المراهقين مصابون بـ “النرجسية الوالدية”، وهي التي عرّفها الباحث بأنها “تعكس الرغبة اللاشعورية للوالدين ليبقى الأبناء ملتصقين بهم وتابعين لهم ويمارسون من خلالهم إشباع نزعتهم النرجسية”.

أكثرنا يجتهد ليعيد الأبناء سيرة آبائهم، حتى لو لم تكن هذه السيرة مغرية بالإعادة، يكفي أن يسير الولد على طريق أبيه، بصرف النظر عن التغيرات التي تحدث في المعارف والأعراف مع تبدّل الأزمان، فإذا كان التغيّر في الأزمنة الماضية بطيئاً جداً، ومع ذلك تحدث عملية صراع الأجيال، فما بالنا باليوم، حيث نجد الاختلاف ليس بين الأجيال، بل بين سنوات قليلة تفصل الأخ عن أخيه حتى يجد الاثنان بعضهما غريبين عن بعض.

أكثرنا لا يريد أن يقع أبناؤه في الأخطاء ذاتها التي وقعنا فيها ونحن في أعمارهم، غير مبصرين أن التعلم من الخطأ هو ما صنعنا رجالاً اليوم ونساءً، فلم لا نعط الأبناء الفرصة ليتعلموا من أخطائهم أيضاً؟! نخشى على الأبناء من أخطاء جسيمة؟ ألم يخشَ آباؤنا علينا الأمر نفسه؟ كيف نظرنا إلى آبائنا في ذاك العمر، ولم نستغرب أن ينظر أبناؤنا إلينا النظرة ذاتها.

أكثرنا يقرأ مقولة نسبت إلى الإمام علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) مرة، وإلى سقراط مرة، وإلى أفلاطون مرة، وهي “لا تؤدِّبوا أولادكم بأخلاقكم، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم”، وأكثرنا مؤمن بها بشكل عام، ولكنها سرعان ما تتبخر هذه المقولة مع أول بادرة مغايرة من الابن أو الابنة للسيرة “الحميدة” للوالدين، لتراهما يسردان عليه كيف كانا في الصغر، وكيف كافحا، وكيف كانت الحياة صعبة حينذاك، بعكس ما هي عليه اليوم، فيبلغان من التناقض قمته حينما يريدان من الأبناء أن يكافحا مثلهما في واقع مختلف تماماً عن ذاك الذي كان بالأمس.

نبرر لأنفسنا بأننا لا نريد أن يمرّ الأبناء بما مرّ بهم من سبقهم، والسعيد من اتعظ بغيره، ويمكنهم اختصار طريق التجارب بأن نكون قد سبقناهم إليها، وأعطيناهم الخلاصة صافية، ونبرر لأنفسنا بأن ذاك الزمان الذي عشنا فيه كان يحمل بعض الخير، بعكس هذا الزمان المتوحش الذي لا يرحم، ناسين أن آباءنا رأوا في زماننا من الغربة والوحشة ما نراه اليوم في زمان من يأتون بعدنا.

مع كل هذا، لن أتوقف عن فعل ما فعله آبائي معي، حتى لا يتوقف الأبناء عن فعل ما فعلناه سابقاً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .