العدد 3055
الجمعة 24 فبراير 2017
banner
الصدفة في حياة المرء... “جابر عصفور” (2) 
الجمعة 24 فبراير 2017

ككل أبناء الريف المصريين في فترة الرئيس جمال عبدالناصر، ممن كافحوا وصنعوا مستقبلهم بأيديهم في ظل مجانية التعليم، كافح ليحصل على قسط من التعليم ينتصر به على الفقر، هزهُ كفاح الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، عندما قرأ كتاب الأيام. هذا الانبهار بطه حسين دفعه إلى التفوق لكي يتتلمذ على يديه في الجامعة، ولكنه عندما بلغ الجامعة تبين له أن طه حسين لم يعد يدرس إلا طلبة الدراسات العليا، ولم يكن له حظ في لقاء حسين إلا في بيت الأخير، الذي شهد بدوره خلال هذا اللقاء، أن هذا الشاب سيكون له شأن في عالم الثقافة. 

في عام 1965 تفوق هذا الشاب على كل نظرائه في أقسام اللغة العربية على مستوى الجمهورية، واستحق بذلك أن يتم تعيينه معيداً، ولكن هذا لم يحدث لأسباب طالما كانت، ولا تزال موجودة بجامعاتنا العربية. رضى بقدره، ولم يقاوم كثيراً ذلك الظلم الواقع عليه، ولكن جاءت لحظة تسببت في تفجير براكين الغضب في نفسه عندما كان يسمع خطاباً للزعيم الخالد جمال عبدالناصر، فقد كان عبدالناصر يتحدث عن الحرية ومقاومة الظلم، فقرر هذا الشاب أن يقتل هذا الخجل ويحطم قيود الظلم بضربة واحدة. أرسل خطاباً للرئيس عبدالناصر، وكان عبدالناصر كما علمنا يقرأ كل يوم خمسة من خطابات الجماهير. 

وكانت الصدفة أن وقع خطابه في يد عبدالناصر، الذي غضب بشدة، وقال: “كيف يحدث هذا في عهدي؟”، وبعث هذه العبارة للمسؤولين بالجامعة، وعندما ذهب ذلك الشاب لمقابلة المسؤولين بالجامعة، لم يجد أثراً لتنكرهم وظلمهم السابق، ولكنهم استقبلوه استقبال الأبطال، وتم تعيينه بالجامعة. عاش حياة ثقافية حافلة، وشاء القدر وهو في قمة تألقه وعطائه أن يتم توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، فاعترض عليها ككثير من المثقفين آنذاك، وكان جزاؤه النقل إلى مكتب رئيس هيئة المعاشات بوزارة الشؤون الاجتماعية، ولكن إمكانياته ومكانته العلمية وفرت له فرص عمل جيدة في جامعات أجنبية مثل أستوكهولم وهارفارد. 

وبعد فترة قضاها في الجامعات الأجنبية تغيرت الأوضاع وعاد إلى الجامعة في مصر وحصل على درجة الأستاذية، وألف أكثر من خمسة وعشرين كتاباً، إلى جانب ترجمة العديد من الكتب الأخرى، إنه الدكتور جابر عصفور الذي قضى 14 عاماً كأمين للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، الحاصل على جائزة الدولة التقديرية، فانظر كيف يمكن للصدفة أن تغير مجرى حياة المرء؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية