العدد 3057
الأحد 26 فبراير 2017
banner
حتى لا نحاصر بحزام إيراني يتحكم في أمننا واقتصادنا
الأحد 26 فبراير 2017

عندما نكون إزاء صراع عسكري أو تنافس اقتصادي بين دولتين أو مجموعتين، فيمكننا أن نتوقع مداه مهما بلغت حدته، وأن نستشف أدواته وآلياته مهما تعددت، بل ويمكن التعامل مع نتائجه ومعالجة آثاره أيًا كانت قسوتها، ولنا في ألمانيا واليابان الدليل والبرهان.

ولكن، حينما يكون الهدف هو تغيير الهوية، وعندما تكون الرغبة توسعية والأدوات غير شرعية وغير أخلاقية، فإننا هنا إزاء مشروع خطير لا يمكن أن نتنبأ بحجم أخطاره ولا حصر آثاره، مما يوجب تحركًا شاملاً وسريعًا والاستعانة بمقدرات القوة ومكامن التفوق كافة؛ لوقف هذا المشروع وردع حاميه ولجم الداعين إليه والقائمين عليه والمتعاطفين معه وتوعية المتهاونين فيه وحث المعارضين له وصف المتأثرين سلبًا به.

نتحدث هنا عن مشروع إيراني خبيث “لتفريس” سواحل الخليج العربي وبحر عمان (زيادة عدد الفرس ونشر الثقافة الفارسية)، وهو مشروع ليس من وحي خيالنا، وإنما تحدث عنه بكل غطرسة “أكبر تركان”، وهو ليس محللا سياسيا أو خبيرا استراتيجيا وإنما مسؤول كبير في النظام الإيراني ويشغل منصب مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهو أيضًا مدير لجنة المناطق الحرة في إيران.

ففي الاجتماع الحكومي المشترك مع البرلمان الإيراني الذي جرى مؤخرًا، أفصح هذا الـ “تركان” عن عزم حكومة الرئيس روحاني تغيير ديموغرافية سواحل الخليج العربي وبحر عمان، عن طريق تهجير مواطنين لها من سائر المحافظات بحيث يزيد عدد سكانها من مليون ونصف المليون إلى 5 ملايين نسمة في غضون 5 سنوات بدءًا من العام الحالي 2017، حيث سيتم نقل مليونين ونصف المليون مواطن من مختلف المحافظات إلى سواحل الخليج العربي، ومليونين ونصف المليون الآخرين إلى سواحل بحر عمان”.

قد يقلل البعض من أهمية هذا الحديث، كما قد يشكك نفر آخر في قدرة إيران على تنفيذ هذا المخطط، وهذا برأيي أكبر نقطة ضعف في مواجهة المشروع الإيراني، إذ يجب أن تبدأ هذه المواجهة من الإدراك الكامل بحقيقته وخطورته.

فإذا كان تركان قد تحدث عن عزم الحكومة تغيير ديموغرافية سواحل الخليج العربي وبحر عمان، فقد سبق ذلك قرارات ومحاولات عملية لتنفيذ هذا المشروع القديم المتجدد منذ حقبة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الذي عمد في 18 أبريل من العام 2007 إلى تغيير اسم القضاء من “القابندية” التابعة لميناء لنجة في محافظة هرمزغان في جنوب إيران، إلى “بارسيان” أي “الفرس”، كما قام بنهاية ولايته الثانية وتحديدًا في العام 2013 بإصدار مرسوم باقتطاع مناطق وقرى من قضاء القابندية والتي تتعرض منذ عقود للتفريس والتغيير الديموغرافي عبر تهجير العرب وإحلال غيرهم، كما هو حال سائر القرى والمناطق العربية المطلة على الخليج، حتى بات العرب أقلية في العديد من المدن الكبرى.

وقد حاولت الحكومة الإيرانية في العام 2016 ربط محافظة فارس التي تقع جنوب البلاد، بالخليج العربي عبر توسعة المحافظة، وذلك بضم الأجزاء الساحلية من محافظة “هرمزغان”، وتشمل القرى والمناطق العربية المطلة على الخليج العربي وهي (تمبو الشمالية وتمبو الجنوبية وسورباش والفوارس وعجابر)؛ لتصبح قضية “تفريس الخليج” واقعا بحكم الاتصال الجغرافي ولإثبات “فارسية” الخليج، إلا أن الحكومة عجزت عن تنفيذ المشروع فتوقف مؤقتًا بفعل المظاهرات الشعبية التي قام بها أهالي هذه القرى العربية.

هذا بخلاف ما يحدث ضد إقليم الأحواز بغية طمس هويته العربية وتهجير العرب وتوطين الفرس بدلا عنهم، بواسطة تغيير أسماء المدن والقرى الأحوازية من العربية إلى الفارسية، وفرض التعلم باللغة الفارسية، ومنع الزي العربي في الجهات الحكومية، وغيرها من الأساليب العفنة.

ونحن نتساءل: هل يملك هؤلاء “العزل” القدرة الكافية على وقف مشروع بهذه الخطورة والأهمية بالنسبة لإيران، والاستمرار في مواجهة نظام وحشي أرعن، أم أن “إبطال” هذا المشروع يتطلب تحركًا خليجيًا موحدًا وسريعًا قبل أن نصل لمرحلة تصعب فيها المواجهة وتستحيل معها المعالجة؟

وغني عن البيان والجدير ذكره في هذا المقام أن هذا المشروع “العنصري” المقيت الذي تنفذه إيران، لا يقتصر على داخلها، وإنما هو ممتد لخارجها، إذ تتبع إيران الاستراتيجية ذاتها التي تقوم على التهجير وتغيير هوية المناطق، بعد أن تكون الميليشيات العسكرية التابعة لها (الحوثيون والحشد الشعبي وحزب الله وغيرها) قد قامت بدورها في إنهاك سكان هذه المناطق وتجويعهم ومحاصرتهم وسفك دمائهم وحرق أرضهم كما هو واضح أمامنا في اليمن والعراق وسوريا حتى يكون هناك اتصال بين أراضي إيران والمدن الرئيسة التي تم تغيير هويتها وحشر العملاء التابعين لإيران فيها (والذين يقوم بعضهم بشراء مناطق بأكملها في مدن رئيسة، بتمويل من بنوك إيرانية)، لتنفيذ مخطط الدولة الفارسية الصفوية الكبرى وعاصمتها “قم”، وما تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري في مايو 2015 منا ببعيد، إذ أكد أن تدخلات إيران في اليمن وسوريا تأتي في إطار توسع خريطة الهلال الشيعي في المنطقة.

مشروع إيران سيؤدي لتغيير جذري في أرض الخليج والمنطقة وتبديل هوية أبنائها وانتماء أهلها، وحدوث انقلاب خطير في الوضع الجيوسياسي والاستراتيجي لتميل الكفة تمامًا لصالح إيران، وهو ما يستدعي وعلى وجه السرعة مشروعا خليجيا (وعربيا) متكاملا للردع والمواجهة والرد والعقاب، ومنع هذا التمدد السرطاني الإيراني الذي بدأ انتشاره ليلف على دول الخليج، وحتى لا نجد أنفسنا بالسنوات الخمس المقبلة في حصار بحزام إيراني فارسي يتحكم في أمننا واقتصادنا.

مؤنس المردي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية