العدد 3061
الخميس 02 مارس 2017
banner
وقريباً ينفرط عقد الإنسانية
الخميس 02 مارس 2017

الأمين العام الجديد للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريس (أو غوتيريش)، بدأ أول خطاب رسمي له بالتحذير من “تفشّي وباء انتهاك حقوق الإنسان”، وتنوّع هذا الوباء وتغذّيه على النزعات الشعوبية، ومعاداة المهاجرين، وبعض الاتجاهات والملل والنحل الأخرى. 

ولعلّ من المفيد التوقف أمام “وباء انتهاك حقوق الإنسان”، ذلك أن بيرق “حقوق الإنسان” من البيارق التي كانت دول العالم الأول ترفعها عالياً أمام خصومها خصوصاً إبّان انهيار الاتحاد السوفيتي بمعسكره، وما إن استقرت لها الأرض مشرقاً ومغرباً، حتى راحت تبحث عن عدوٍّ جديد يحرك فيها ساكنها، ويحفزها، ويحرك جرثومة الإبداع فيها، فصارت تضرب ليبيا مرّة، وبنما مرة، وتهدم خرائب فوق رؤوس ساكنيها مرة، وتدخل حروباً صغيرة لا تليق بها، بل أحسبها ندمت على انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه، إذ لم يعد في الساحة من يليق بها، ويمكنها أن تقوى بمناجزته. ومع ذلك، ظلت “حقوق الإنسان” بطاقة مرور للتدخل في أنظمة متعددة، والتدخل الخارجي إن كان مرفوضاً، فإن الأنظمة بصلفها وعنجهيتها لا تترك مبرراً للتدخل إلا وفعلته، وهي ترى البوارج تتلاحم إزاء شواطئها، وطيور المعدن تلمع في سماواتها.

غير أن اليأس الذي انتاب الشعوب من افتقاد الحماية، أو النجدة التي تأتي – كما في الأفلام الأميركية – بعد أن ينهي “البطل” مهمته، فتتقاطر سيارات الشرطة مسرعة في حركات استعراضية لا طائل منها. وكذلك انكشاف الحيل للكثير من الحكومات التي رأت أن الدول الأولى التفتت إلى ما يهددها اقتصادياً وعسكرياً ووجدت أخيراً خصماً يليق بها، لم تعد تحفل بما كانت تركز عليه عندما تلبّست الدور الأبوي للعالم، ضاربة على أيدي منتهكي حقوق الإنسان. 

سيدي غوتيريس (أو غوتيريش)، ليست حقوق الإنسان فقط من ستكون المهدَّدة، بل الوباء يسري في هذه الفترة ليضرب الكثير من القيم التي آمنت بها الأمم المتحدة، حيث يرى العالم يومياً الإفلات الرسمي من العقاب الدولي لأشخاص وأنظمة معروفة بمعاداتها الإنسانية، ويرى الفساد أكثر استشراء ويمارَس بضراوة، وصارت العتمة تحل محل الشفافية، والثقافات تتآكل في صالح العولمة، واللغات في سبيلها للانقراض، والكم الكبير من القيم النبيلة التي تدافع عنها المنظمة الأممية لأنه يجري التلاعب بها بحسب مصالح الدول الغالبة المسيطرة على هذا النادي الذي فيه عضويات عاملة للأقوياء، لا ترى ما تحت كروشها من أمم تحمل عضويات فخرية منزوعة الرأي والصلاحيات والتأثير، وفي هذه الغفلة في الجوانب المعتمة بالظل، يجري التفشي في أقوى صوره.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .