+A
A-

الباحث الإماراتي سلطان النعيمي: النظام الإيراني يسوق أفكاره عبر الإعلام بتكرار الرسائل

استعرض الباحث الإماراتي الخبير في الشؤون الإيرانية سلطان النعيمي مساء أمس الأول توظيف اللغة في الاستراتيجية الإعلامية الإيرانية بمحاضرة موسعة عقدت بمركز عيسى الثقافي، حضرها جمع واسع من رجالات السياسة والإعلام والسلك الدبلوماسي.

وتأتي المحاضرة في إطار الدور التنويري والتثقيفي الذي يضطلع به المركز لشرائح المجتمع البحريني، مع متغيرات العصر والإقليم المتسارعة، خصوصاً تلك التي يقف خلفها العدو الإيراني.

ورأى النعيمي أن “الإعلام هو الركيزة للأنظمة والحكومات لإيصال رسائلها للجمهور الداخلي وللعالم، ويأتي المخطط الاستراتيجي  لتمكين ذلك، في حين يلعب الأعلام دوراً حاسماً بتشكيل المعرفة”، مضيفا “وتكمن خطورته في سعي بعض الأنظمة لتوظيف الإعلام بقولبة رأي المتلقي، وتكوين سلوك مبرمج لهذا النظام، ويأتي بطليعة ذلك الإعلام السياسي الذي يعتمد على مفهوم الخطاب”.

وأضاف “الأنظمة الأيدلوجية وبمقدمتها النظام الإيراني، تحاول أن تسوق من خلال الإعلام أفكارها، وبتكرار  الرسائل، لتسريبها بين المجتمعات ولتكون - مع الوقت - من الثوابت الدامغة للمتلقي، وبحيث تكون اللغة أساساً متأصلاً كأداة مستخدمة لهذا الغرض، وباعتبارها الوسيط الأخطر للإعلام”.

وفي وفي عرض لتاريخ النظام الإيراني يقول النعيمي “مسمى الثورة جاء مع الثورة الإيرانية العام 1979، وتنوعت الاستخدامات هنا للمسمى من قبل المرسل، وهو المسيطر على النظام. فالخميني قال (لقد فجرنا الثورة لأجل الإسلام، وليس لأجل القومية والديمقراطية)، ومن هذا المنطلق أصبح النظام الإيراني يطلق على هذه الثورة، مسمى (الثورة الإسلامية)، في حين أن من شاركوا بالثورة الإيرانية، رفضوا هذا المصطلح، وقالوا إنها ثورة إيرانية إسلامية، وليس ثورة إسلامية فقط، فما الذي كان يقصده المرسل بأن يضفي على مسمى هذه الثورة بالإسلامية فقط؟”.

وزاد: “بما أن الثورة إسلامية، فلابد أن تكون مخرجاتها متماشية مع هذه النغمة، يقول الخميني (إنني أؤيد الجمهورية الإسلامية، لا الجمهورية الديمقراطية التي تأتي على شاكلة الغرب) من هذا المنطلق جاء الاستفتاء في البداية، والذي جاء على سياق مفهوم (جمهورية إسلامية)، نعم أو لا، ومن يقول لا... فهو ضد الإسلام”.

وأردف النعيمي “لذلك جاء الاستفتاء على الجمهورية الإسلامية بنعم، ولم يعط المواطن الإيراني خياراً آخر، وكان الرفض بمثل أن يكون المرء ضد الإسلام، وعليها جاء الدستور وفق السياق الإسلامي باعتبار أن من يحكم إيران هو التيار الديني، وبحيث يكون كل ما حول النظام يخدم مصالحه، وعليه جاء من بعد ذلك مبدأ ولاية الفقيه”.

وفي السياق، بين النعيمي أن من المتغيرات الملحوظة بالخطاب الإعلامي الإيراني، حين بدأ يروج لمسميات مجالس تحمل جميعها صبغة المصطلح الإسلامي، مثل مجلس الشورى الإسلامي، وعليه فحين يكون إسلاميا، تكون مخرجاته إسلامية تخدم النظام، ومجلس صيانة الدستور من 12 عضوا، يشترط أن يكون 6 منهم من الفقهاء، والستة الآخرون قانونيون مختارون من قبل رئيس السلطة القضائية، وهو منتخب مباشرة من المرشد، ومجلس الخبراء الذي قام بتدوين الدستور وعدد أعضائه 86 لابد أن يكونوا فقهاء، بمعنى أن ينفذوا تطلعات النظام الإيراني وما يريده”.

وقال “تدريجياً، بدأ النظام الإيراني يستخدم مسمى (الثورة الثقافية) وعليه تم إيقاف جميع الجامعات، وإعادة غربلتها؛ لطرد جميع الموجودين من التيارات الفكرية واليسارية والليبرالية، وأسلمة الجامعات. حتى مصطلح (الجهاد) بدأ يوظف إيرانياً على مستوى الوزارات، فهنالك - مثالاً - ما يطلق عليه (وزارة الجهاد الزراعي)، وغيرها، في الوقت الذي يطلق المرشد على الاقتصاد الوطني بالاقتصاد المقاوم؛ وذلك لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران”.

وأكد النعيمي، وسط اهتمام جميع الحضور، أنه وحينما يتحدث النظام الإيراني عن المعارضة، في بداية الثورة كان “مجاهدو خلق” جزءا من التيار الديني والليبرالي في إسقاط الشاه، ولكن وبعد أن بدأ التبيان، وسيطرة التيار الديني على الحكم، بدأ النظام يطلق عليهم وصف (المنافقين)، والمنافقون أشد كفراً ونفاقاً، إذا يقام عليهم الحد. وقال “حين فرضت إدارة ترامب منع مواطني الدول السبع من دخول الولايات المتحدة الأميركية، جاء المصطلح ذاته من قبل النظام الإيراني، وهو (اتحاد المنافقين)، وبأنهم من منعوا وصول الإيرانيين إلى أميركا”.

وأشار إلى استخدام المرشد الإيراني لعبارتي “خودي” و “ناد خودي”، أي من هم داخل دائرة النظام، ومن هم خارجه، والفيصل بذلك الإيمان بولاية الفقيه والذي هو شرط أساس للولاء، وتطور هذا الأمر في العام 2009 حين رجع النظام الإيراني يستخدم من جديد مصطلح (المنافقين)، لإزاحة كروبي، ومير حسين موسوي اللذين كانوا جزءا لا يتجزأ من النظام بالسابق.

وبين النعيمي أنه وحين بدأ يُطلق على أحمدي نجاد ومن معه بـ “التيار المنحرف”، وأحمدي نجاد في الفترة الرئاسية الأولى (2005 - 2009) كان قريباً جداً من المرشد، وكان دائما ما يؤكد ولاية الفقيه، بعد 2011 وبفترته الرئاسية الثانية، بدأ يتحدث عن المدرسة الإيرانية في مقابل المدرسة الإسلامية، وهو ما يشكل خطراً حقيقياً على التيار الديني الحاكم بإيران.

وتابع “إقليميا، قال الخميني (لقد ثرنا لأجل الإسلام، ولما كان الهدف هو نصرة الإسلام فلا يمكن حصر تلك الثورة بدولة واحدة، ولا حتى بالدول الإسلامية)، وعليه فقد انتقل بعد ذلك ما قاله الخميني في مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية، وفق نص الدستور القائل بـ (الدفاع عن حقوق جميع المسلمين في العالم)”. 

ويتساءل النعيمي “كيف يرى النظام الإيراني الدول؟ يقول وزير الخارجية الإيراني السابق خرازي: (تدخل الدول العربية الرجعية)، كذلك ينظر لدول المنطقة، وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، كانت قبل أن تتأسس بمفهوم الدول، كان يطلق عليها (بالمشيخة)، وهو جزء من التاريخ، ولكن أن يأتي النظام الإيراني اليوم وإعلامه ويقول (المشيخة في الخليج الفارسي)، فهل مازلنا مشيخة؟ وإذا كان النظام الإيراني ما يزال ينظر إلينا كمشيخة، كيف ستكون مخرجات ذلك الأمر؟”.