+A
A-

"أحبه .. وأخونه"

أحبه وأخونه!

المشكلة: والدي العزيز، إن قبلت أن ألقبك بهذا اللقب فسأحاول أن ألخص لك ما أنا فيه، أنا طالبة جامعية أبلغ من العمر 20 عاماً، وحقيقة أنا مرتبطة بشكل رسمي من قريبي الذي يكبرني بثماني سنوات. هذا تم منذ عام ونصف، وفي الحقيقة قد عبر لي عن حبه مذ كنت في المرحلة الإعدادية، ولكني في تلك الفترة شعرت بأنني صغيرة لا أفكر في هذا، ولازمني هذا التفكير إلى أن تخرجت من الثانوية، حيث إنه أخبر عائلتي برغبته في الارتباط بي قبل أن يخبرني، أي أن كل شيء كان واضحاً لأهلي، وبعد تخرجي طلب أن يحدث كل شيء بشكل رسمي.

في تلك اللحظة شعرت أن علَي أن أفكر في الموضوع بجدية خصوصا أنني في الحقيقة أحمل له مشاعر خاصة وأعترف بأنني كنت أحبه ولكنني أكابر، ووافقت على أن يتم العقد وحدث هذا. للعلم هو شاب ناجح في عمله ويحمل صفات وأخلاقاً رائعة، وأشعر أنه يرغب في أن يضع العالم بين يدي، لكن هذا لا يمنع حدوث بعض المشاحنات التي من الممكن أن تحدث بين أي زوجين، وفي كل مرة يعتذر لي إن ضايقني في أي كلمة ويقول لابد من هذا حتى تتضح الصورة لكلينا وبعد الزواج سيكون كل شيء على ما يرام.

كانت علاقتي به أول علاقة لي مع شاب، فلم أجرب أي علاقة عاطفية من قبل لاقتناعي أن هذا يسيء لي، ولكن للأسف حدث هذا وأنا خطيبة لشاب رائع!

نعم هذه هي المشكلة.. تعرفت على شاب خليجي ولد وتربى في البحرين، تعرفت عليه عن طريق الإنترنت، كانت بداية العلاقة مجرد صداقة في صفحات الدردشة إلى أن شعرت بأنه معجب بي فأرخيت له الحبل ليزداد تعلقي به، في حين لا يعلم أني مرتبطة، وكان يحكي لي مشاكله وكنت بقربه طوال تلك المشاكل.

في إحدى المرات طلب مني رقم هاتفي وأعطيته وجرى بيننا اتصال إلى أن اعترف بحبه لي وادعيت أن أبادله الشعور، وفي اللحظة نفسها شعرت بالقلق فأخبرته أني سأرتبط من قريبي كما هي عادات عائلتنا، وحزن كثيراً ورفض أن يستمر في العلاقة، لكنه ضعف في النهاية وواصل معي إلى أن كرهت نفسي حقاً فأخبرته أن خطبتي قريبة فقرر عدم الاتصال بعدها، ولكنه فعلها وصار يحدثني بين وقت وآخر إلى أن قررت أن أقلل منها حتى أنهيها على الرغم من أني أشعر بحزنه؛ لأنه شعر بذلك، لكن لم يلمني عليه أبداً إلى أصبحت اتصالاته نادرة.

صدقني أنني لم أكن راضية عن هذا أبداً، فكيف وأنا التي حافظت على نفسي وأنا التي حافظت وأنا عزباء وأهينها وأنا مرتبطة! إن هذه يحدث وخطيبي قريب مني! لا أعرف كيف كانت لي الجرأة بهذه الدرجة! وبما أنه وثق بي رغم أنه ينزعج أحياناً من كثرة الحديث في الهاتف بصراحة كنت أستغل حبه وطيبته وثقته بي، ليس هذا ما حدث فقط، فبعد أن أصبحت علاقتي بهذا الشاب شبه مقطوعة أعدت الكرة من جديد ودخلت صفحات الدردشة وتعرفت على خليجي آخر وصار يرسل لي رسائل إلى أن انقطع فجأة وعاد مرة أخرى ليخبرني بأنه كان في المستشفى بعد أن اعترفت له حبيبته بأنها لا تحبه، وكنت أحاول أن آخذ منه المزيد، وفي لحظة اعترف لي حين قال: أرفع الراية البيضاء وأعترف أنني أحببتك، وأعدت معه ما فعلته مع ذلك الشاب، فقد أرخيت له الحبل كما يقال وتعلق بي أكثر، وأصبح يتصل بي يومياً رغم كلفة المكالمات.

كان هذا الأخير يكلمني يومياً ليخبرني بحبه لي ولم يحاول مرة أن يسيء لي في الكلام، وفي إحدى المرات أخبرته بأنه لابد أن يهتم بنفسه خصوصا أنه طالب متفوق في الجامعة ويعيش في منطقة بعيدة عن منطقته، وكنت في الحقيقة معه في كل لحظة من لحظات دراسته.

وفي إحدى المرات لم أرسل إليه رسالة قبل الامتحان النهائي كعادتي واتصل بعدها وهو قلق وأخبرني أنه قدم أسوأ ما قدمه في هذا الامتحان؛ بسبب عدم اتصالي به. المهم أنه زاد تعلقًا بي وهو يرى من يهتم به بعد جحود حبيبته السابقة. وفي إحدى المرات أخبرته أنه لا يمكن له أن يرتبط بي فصار يبكي، المهم أنني في حالة نفسية متعبة بسبب ما أفعله، مما يجعلني أشعر بأنني فتاة حقيرة لا تستحق كل هذا الحب مع تحياتي.

(ن د ي)

 

 

الحل: ابنتي العزيزة (ن د ي): حقاً يشرفني أن أكون والداً لأي شاب أو شابة، فلا مانع من أن تطلقي علَي هذا اللقب الأبوي العظيم، فأهلا ومرحباً بك يا ابنتي.

ولكي تتم الصفقة الأبوية في صورتها الصحيحة أرجو أن تتقبلي لومي وعتابي بروح رياضية نابعة من احترام وتقدير ابنة لأبيها.

عزيزتي، بودي أن أوجه إليك سؤالاً مباشراً فيما يتعلق بموضوعك، وقد تنشعب من هذا السؤال أسئلة فرعية عديدة، إلا أنني سأكتفي بالمحور الأساسي لكيلا تتبعثر عناصر صلة أو يفقد جوهر مفهومه، فسؤالي لك: لماذا تبحثين عن المتاعب وأنت في غنى عنها؟! نعم، أنت بالفعل في غنى عن تلك المتاعب والعقبات والشطحات اللامنطقية التي تجلب المشاكل والمآسي من دون أي داع، والأدهى والأمر في ذلك أنك تخلقين كل هذه المشاكل لنفسك بيديك وبسجية مراهقية إن لم تكن طفولية! فهل يعقل أن يركل الإنسان تلك النعمة التي أنعمها الله عليه، انصاب غيره وبعين شحية طمعاً في البحث عن المزيد من حب التملك وإشباع الغرائز النرجسية وتمجيد الذات؟

لا يا ابنتي، الحياة لا تؤخذ بشكلياتها ومظاهرها أو إغراءاتها المؤقتة؛ لأنها غير دائمة ونهايتها الزوال والتلاشي عن الوجود، أما الذي سيبقى فهو الجوهر، فعلينا أن نحافظ عليه ونتعامل من خلاله، فتأكدي أنه كلما كان الجوهر قويا وصلباً كانت مقاومتنا للإغراءات أقوى.

إذن لا داعي لأن أذكرك يا عزيزتي بما بدر منك البداية كي يتضح ذلك من عبارتك: "إنني في الحقيقة أحمل له مشاعر خاصة وأعترف بأني كنت أحبه ولكنني أكابر".. فمثل هذه التعبيرات التي تنم عن الكبرياء وعزة النفس يجب ألا يكون لها وجود في مثل هذه المواقف خصوصا أن الطرف الآخر قدرك كل التقدير والاحترام ومنحك مكانة سامية في قلبه واختارك أن تكوني شريكة حياته من بين العديد من فتيات المجتمع سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي.

وعلاوة على ذلك باعترافك الشخصي أنه شاب ناجح في عمله ويحمل صفات وأخلاقاً رائعة ويتضح ذلك من صدق مشاعرك نحوه وإحساسك بأنه يرغب في وضع العالم بين يديك، نعم أوافقك الراي تماماً على أنه بالفعل شاب رائع وممتاز بناءً على ما ذكرته من صفاته وأخلاقه الحميدة ونضجه العقلاني في التعامل وأدب التسامح والاعتذار، وأنت أعلم بها من مجرد تلك الأمثلة البسيطة عن هذا الشخص المناسب لك كما يبدو لي، ولا أعتقد أن هناك من يختلف معي بأنك أخطأت في حقه كثيراً ولا ينبغي الاستمرار في الخطأ أكثر من ذلك، فعودي إلى صوابك فوراً ولا داعي لتلك الهفوات والرغبات الطفولية في ظل ارتباطك بزوج يشهد بينكما عقد شرعي وقانوني، ولا يجوز شرخ هذه العلاقة واستغلال الشريك، فهو أمر مسلم به وواضح في ديننا الحنيف، فلن أفتي في هذا الجانب،، ويمكنك استشارة المتخصصين فيه، كما أنه لا يجوز التلاعب بمشاعر الآخرين وإشعال لهيب عواطفهم بالاتصال والتحدث عبر الإنترنت، وخداعهم أو الوقوع في علاقة غرامية معهم قد تبنى على أساس الدعابة والتسلية، ولكنها تتحول تدريجياً إلى الجد وبعدها تنفتح ملفات الحسابات وتتغير المعادلات والأرقام وتصبح النتائج معقدة ورموزها مفككة، مما تعوز بالتالي إلى خبير يجيد فن التعامل في إعادة تركيبها إلى صورتها الطبيعية.

عزيزتي: توجيهي اللوم والعتاب إليك ليس هو الغاية بقدر ما أن يكون هو الوسيلة المباشرة للصحوة من تلك الغفلة ولعبة الطفولة الهزلية، فهيا انهضي منها والتقي لما حولك بكل جدية لكي تضعي قرارك الصحيح لأحد الخيارين التاليين: فإما العودة الحقيقية للوفاء بحق زوجك والارتباط به كشريكة لحياته وترك تلك الدعابة المسلية والتلاعب بعواطف الآخرين، ولا شك أن الطريق متاح أمامك للتخلي عنها بسهولة ويسر على اعتبار أنها سحابة صيف عدت من دون أن تؤثر على علاقتكما..

آمل أن تكوني قد استفدت من تلك التجارب المراهقة بتقوية وإصرار العلاقة مع زوجك منذ الآن وصاعدا حتى نهاية حياتك ومن دون العودة لتلك اللعبة المزاجية أو حتى التفكير فيها، هذا من جانب كخيار أرجح من وجهة نظري الشخصية.

أما الخيار الثاني الذي أميل إليه غالباً فهو إخلاء سبيل زوجك للالتفات إلى حياته الخاصة وعدم خداعة أو خيانته كشخص أحسن إليك وأحبك وتقدم لأهلك بصورة رسمية طالباً يدك للزواج وأنت تعرفينه جيداً وتربطكم صلة القرابة وشخص واضح ومستقبله مشرف كما تدعين في رسالتك.

عزيزتي: راجعي جميع أوراقك وأعيدي النظر في سوء تصرفك وحافظي على هذه النعمة التي أنعم الله عليك، فلا تدعي الفرصة تفوتك من جزاء تهورك حيث لا ينفع الندم والأسف فيما بعد، فاقتلي الشر قبل أن يقضي عليك وأبقي على الخير؛ لأنه الدائم ويجلب لك السعادة والهناء طوال حياتك.. وفقك الله يا ابنتي العزيزة.

                   

الدكتور خالد إسماعيل العلوي

استشاري الإرشاد النفسي