العدد 3103
الخميس 13 أبريل 2017
banner
لا تؤجّل فكرة اليوم
الخميس 13 أبريل 2017

نسير في هذه الحياة بشكل وئيد عندما نكون يافعين، نشعر أن لا شيء سيفوتنا، نجتهد كثيراً في تضييع أوقاتنا-أعمارنا في ما لا كثير جدوى فيه. ولكن ما إن ينتصف العمر، أو بالأحرى يتجاوز المنتصف، حتى نتحسس وطأة الوقت، وكم بات أسرع مما كان عليه، وكيف مضى هكذا من دون أن نحقق شيئاً، ومن دون أن نوالي وهم الخلود بأن نمضي من هذه الدنيا وقد تركنا وراءنا أثراً ما، البعض يريد أن يترك مبانٍ على الأرض، والبعض يريد أن يغمض عينيه على بعض الكتب التي ألّفها، وهناك أيضاً من لا يحملون من هذه الهموم شيئاً، فالأمس لديهم يشبه الغد، وبينهما اليوم وهو جسر للعبور وحسب.

واحدة من العبارات التي لا تني تستوقفني، تقول: “ليس كالمقابر مستودع للأفكار”، ويشرح قائل هذه العبارة أن الغالبية العظمى من الناس أجّلوا مشاريعهم، وقيّدوا أفكارهم، وحبسوا طموحاتهم، وجمّدوا أحلامهم، كبحوا جموحهم لأنهم ربما خافوا من إخراجها، أو أخضعوها لدراسات طويلة استهلكت أعمارهم، أو تحسسوا من التعبير عنها لأنهم مترددون غير واثقين من أنفسهم، أو وقف الجانب المادي حائلاً دون الوصول إلى بغيتهم، أو بكل بساطة، لأنهم أكسل من أن يهشّوا الذباب عن وجوههم، فطاف عليهم طائف في لحظات التجلي، فحرّكوا أيديهم ليبددوها كما يبددون دخان الشيشة، وربما استعاذ بعضهم بالله من غوائل الأفكار وعواقبها، وبذلك مضت الحياة بهذه المليارات من البشر وهم يؤجّلون المشاريع الواحد تلو الآخر، حتى انقبرت معهم في نهاية المطاف. فبينما تروج في الأسواق الاعتيادية، التقليدية منها والرقمية، المنتجات والبضائع بيعاً وشراءً، فإن هناك سوقا أكبر من هذه وأعظم، ألا وهي سوق الأفكار الجديدة، سوق الطموحات والتطلعات التي تشترى بأضعاف ما يجري تداوله من منتجات أو خدمات أتت نتيجة عرض الأفكار في سوقها الصحيحة. وليس جديداً أن أصبحت أمام الملأ سوق بالغة الاتساع والتعدد لشراء الأفكار، سواء البسيط منها أو المعقد، سواء تلك التي تأتي عابرة على البال، أو تلك التي تسهر في حبكها الليالي الطوال. هذه السوق بدأت في الانتشار والتمدد منذ حوالي عشر سنوات، وهناك أعداد لا تحصى من الأفكار التي يجري طرحها وتداولها بشكل مفتوح لا يريد أصحابها جزاءً ولا شكوراً، فقط لأنها صارت تثقلهم، ومن هنا يريدون ضخها إلى الفضاءات العمومية، وكأنهم حينئذ يستريحون ويبدأون في البحث عن أفكار جديدة أخرى، ولنا في البحث داخل الإنترنت خير مثال لذلك لو تساءل أحد القافلين على أفكارهم خشية السطو غير المسلح عليها، عمّا يستفيده هؤلاء من عرض أفكارهم مجانا، ويدعون الجميع إلى موائد مجانية من الأفكار المتنوعة؟!

في الانفجار المعلوماتي الذي يعيشه العالم، يمكننا تخيل أن الفكرة التي تدور في رأسي الآن، يفكر فيها نفسها، عشرات الأفراد في مختلف القارات، بعضنا سيضرب أسواراً حول فكرته، بعضنا سيطوّرها، وبعضنا سيأخذها معه إلى العالم الآخر ليزداد انتعاش المقابر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .