العدد 3106
الأحد 16 أبريل 2017
banner
الإرهاب يبدأ من هنا
الأحد 16 أبريل 2017

لاشك أن حوادث الإرهاب الأخيرة في جمهورية مصر العربية الشقيقة آلمت القلوب وأدمعت العيون، فهذه البشاعة التي تمت بها هذه العمليات والأرواح التي أزهقت لابد أن تؤثر في كل من له قلب ومشاعر، هذا هو الطبيعي لدى البشر الأسوياء الذين يملكون قلوبا ويتألمون وتسيل دموعهم عند رؤية المآسي ورؤية دماء الأبرياء تسيل بلا ذنب.

وهناك على ما يبدو بشر تجردوا من الإنسانية والمشاعر، فلا تعنيهم هذه المشاهد المروعة التي تسفك فيها الدماء بهذا الشكل البشع، ففي الوقت الذي كان فيه إخواننا المصريون - ونحن معهم - يعيشون حالة الصدمة وحالة الحزن الجليل على سقوط إخوانهم ضحايا للأعمال الإرهابية الخسيسة يوم الأحد الماضي، خرج علينا شيخ ليصدم البشرية كلها وليس المصريين وحدهم بتعليقه على هذه الأحداث التي هزت العالم، الشيخ الذي طالما شرب من ماء نيلها وتعلم في أزهرها وأكل من خيرها لم ير في المشهد المأساوي ما رآه غيره من بني البشر مسلمين ومسيحيين وغيرهم. لم تهتز مشاعره لرؤية أشلاء النساء التي تطايرت وأشلاء الضابط المصري البطل الذي احتضن الإرهابي اللعين ليبعده عن الكنيسة وليفتدي بروحه أبناء وطنه، فراح يتحدث عن بلده الذي ولد وتربى وتعلم فيه بطريقة صادمة، وكأن جلال الموت وارتواء الأرض بالدم مشهد اعتيادي لا يؤثر في النفس ولا يؤلمها.

الطبيعي في هذه الأوقات أن يعبر الإنسان عن حزنه، حتى إن كان غير حزين وأن يتباكى إن لم يستطع البكاء، ولكن أن يعلن شماتته فيما جرى والمشهد لا يزال ساخنا، فهذا شيء يدل على أنه راض ومؤيد لسفك الدماء وذبح الأبرياء على النحو الذي جرى. لقد قدم لنا هذا الشيخ من جديد الدليل القاطع على أن الإرهاب يبدأ هكذا، يبدأ بالكلام والتحريض والفتوى، وأن القاتل الذي يضع القنبلة أو يحمل السلاح أو يفخخ نفسه ليزهق عشرات الأرواح ليس وحده المسؤول عن القتل، ولكن الذي يعده نفسيا ويصور له العالم تصويرا بشعا ويعده بالجنة هو أيضا قاتل قبله.

الشيء الغريب أن الشيخ نفسه شعر أن تعليقه المليء بالشماتة ما كان يجب أن ينشر على تويتر في وقت الكل فيه حزين، فسارع إلى حذفه وكتابة تعليق آخر يستنكر فيه سفك الدماء، ولكن فات الأوان، فقد قرأ العالم تعليقه وسجله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .