العدد 3124
الخميس 04 مايو 2017
banner
عالم بلا منغّصات
الخميس 04 مايو 2017

هناك توجّس عالٍ جداً في الكثير من الدوائر الرسمية بشأن ما يُكتب انتقاداً لأسلوب إدارة المؤسسة، أو كيفية معالجتها الأخطاء، أو تسييرها اليومي للأمور. هذا التوجّس يقترب من المرض أحياناً، وأحياناً يتوغل في المرض نفسه حتى يصاب كل من يتعاطون مع الشأن الإعلامي بالوسواس القهري مما يُكتب عنهم في أي من وسائل الإعلام سواء التقليدية أم الجديدة.

لقد كان السؤال السائد في المؤسسات عن أي شيء غير مريح يُكتب عنها، سواء كانت انتقاداً حقيقياً ومبنياً على الحقائق، أم كان سطحياً انفعالياً ناقص المعلومات والوقائع، هو: هل الكاتب “معنا” أم “ضدنا”؟ بمعنى هل هو من “جماعتنا” أم من “جماعتهم”، ويجري تحليل الأسباب التي دعته لأن يتناول هذه المؤسسة أو تلك بالنقد اللاذع، وغالباً ما يشغل خبر صغير، أو إشارة عابرة، بال المؤسسة بدءاً من أعلى رأسها، وتبدأ حركة محمومة، واتصالات قصيرة وسريعة ومتقطعة، وقصاصات أوراق بما توفر من معلومات عن الكاتب، واحتمالات “تسريب” المعلومات له، وما الأغراض والمرامي والأهداف التي يريد تناولها في مقاله؟ لا أحد يريد أن ينظر إلى ما وراء الشخص، أي لا أحد يريد أن ينظر إلى القضية إذا ما كانت صحيحة أم لا.

اليوم بدأت تسود نغمة أخرى، تخرج من الفردية إلى الجماعية، وربط الانتقادات بالجماعات المتطرفة التي تريد الوصول إلى السيطرة على الناس. ومع حُجيّة هذا القول، وما يمكن الاستشهاد به من حوادث وقصص؛ إلا أن هذا القول تجاوز أهدافه بكثير. فما إن يجري الحديث الناقد أو الساخط عن أي شأن من الشؤون حتى قيل “كم استلمت حتى تروّج هذا الكلام؟”، فتغدو العبارات أقصر وسيلة للجم الإنسان نفسه، لا خوفاً في الكثير من الأحيان من عقاب، ولكن حتى لا يقوّي المعسكر الآخر، ويُنجح خططهم.

إن هذه الطريقة هي واحدة من محاولة الإقناع الناعم بالصمت عن كل ما يمكن انتقاده، وتجنب الخوض مع الخائضين، والحذر، كل الحذر من أن تكون أداة طيّعة في يد أولئك، وإلغاء العقل الناقد، والكف عن تفكيك القضايا، وعزل ظواهرها بغية فحصها الواحدة بعد الأخرى لمعرفة مكامن الخلل. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .