العدد 3136
الثلاثاء 16 مايو 2017
banner
هدم التاريخ على أنقاض الواقع
الثلاثاء 16 مايو 2017

إذا كان التاريخ المعاصر الذي عاصره وعاشه الكثير منا ونعرف تفاصيله الدقيقة، هذا التاريخ تعرض لسنوات طويلة للتشويه والتخريب، فما بال التاريخ القديم نوعا ما ونعني به التاريخ الإسلامي، الذي هو الآخر نراه في الآونة الأخيرة يتعرض لنوع من الهجمات المنسقة والمتتالية التي تحاول النيل منه من خلال تشويه صورة قادة تحملوا عبء تحرير الأمة مما ألم بها حينها.

يكفي ما تعانيه أمتنا في الوقت الراهن من أوضاع أقل ما يمكن أن توصف به أنها شبه أنقاض، ثم يأتي من يريد النيل من تاريخها في نوع من حب المخالفة والظهور الإعلامي وتسجيل موقف يراد من خلاله التشويه لا أكثر، ويعتقد هؤلاء أنهم يمارسون عملية تجديد للخطاب الديني الذي تمت الدعوة له مؤخرا من قبل الرئيس السيسي، مع أنه ليس الأول وليس الأخير الذي يوجه هذه الدعوة، بل سمعناها كثيرا من قبل الكثيرين ومارسها بصورة علمية الكثير من الباحثين من الذين حاولوا صياغة حالة للجانب الديني لا تتعارض مع التاريخ بل تناسب الواقع من خلال التفسير العلمي والواقعي للكثير من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة.

التفسير العصري والمناسب للواقع (حسب مفهوم صالح لكل زمان ومكان) لا يعني تشويه التاريخ، فالتاريخ واقع مضى بحلوه ومره ولا يقع تحت طائلة التغيير أو التفسير النابع من فهم خاطئ عند البعض أو رغبة كامنة في التشويه أو بهدف ترجيح جانب على جانب آخر، فقد مضت تلك الأحداث ولا يمكن تغييرها سواء كانت في صالحنا أو في غير صالحنا، مع أن الكثير من تلك الأحداث مورست باسم الدين وهي بعيدة كل البعد عنه وعن مفاهيمه الإنسانية، أما الرموز التاريخية الإسلامية التي يراها المسلمون بمثابة قدوة فإن النيل منها ومحاولة تشويه أعمالها لا تخدم تجديد الخطاب الديني الذي تجري الدعوة له.

منذ نشأنا ونحن نرى رموزا تاريخية يشار إليها بالبنان وتمثل قدوة لجميع الأجيال يسير على خطاها الكثير، ثم يأتي بيننا من يمكن أن يكون قد قرأ بعض الكتب ليمارس تفسيرا للتاريخ على أساس تجديد الخطاب الديني ليمارس إزاحة للتاريخ من مكانه الصحيح ليضعه في موقع تخجل منه الأجيال، وهو بهذا يضع سدودا في طريق الأجيال الناشئة أمام السعي والمضي لتحقيق أهداف أمتها ودينها، وهو ما نشاهده حاليا في بعض – ولا نقول جميع – القنوات الخاصة وبالذات في مصر المحروسة، وهي لا تمثل بحال من الأحوال الدعوة التي وجهها الرئيس السيسي ولكنها تمثل رغبة خاطئة في نفوس البعض. هذا ليس تجديدا للخطاب الديني الإسلامي بل قلبا وتشويها للتاريخ الإسلامي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية