كم هائل من المشكلات يواجه دولنا العربية ورصيد متضخم من الأزمات تمتلكه شعوبها دون أن ينفذ هذا الرصيد أو يتضاءل، بل على العكس يشهد تفاقمًا وتزايدًا مستمرًا على المستويات المادية والمعنوية، وتأتي على رأسها الأوضاع البائسة التي تواجه الملايين من الأطفال، إذ أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” مؤخرًا تقريرا كشفت فيه عن وجود 29 مليون طفل على الأقل في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفتقرون إلى المتطلبات الضرورية للحياة.

كثرت في الآونة الأخيرة مشاهد تناول بعض الأطفال فضلات الطعام الموجودة في أكياس القمامة المنتشرة في الشوارع ببعض الدول العربية، وهي مشاهد محزنة ومؤسفة، ولم يكن من المتخيل حدوثها أو حتى تصديقها، لكنها باتت متكررة ولا تنحصر في دولة تعيش أوضاعًا استثنائية، بل تقع في دول بظروف طبيعية ما يعكس تهاويًا واضحًا في منظومة القيم التي باتت تحكم مجتمعاتنا، وتفاوتًا شاسعًا وتباعدًا واضحًا بين من يملكون ومن لا يملكون.  

تقرير اليونيسيف الذي شمل 11 بلدا عربيًا أوجعنا بإحصاءاته التي تشير إلى أن واحدا من بين كل أربعة أطفال يعانون الفقر المدقع ويفتقرون إلى الحد الأدنى من الضروريات الأساسية في الحياة، من قبيل التعليم والسكن اللائق، والغذاء الصحي والرعاية الصحية الجيدة، والمياه الصالحة للشرب، والمرافق الصحية وإمكانية الحصول على المعلومات، وأن 25 % من هؤلاء الأطفال ما بين سن الخامسة والسابعة عشرة، إما أنهم لم ينخرطوا في التعليم بالمرة أو أنهم انقطعوا عن دراستهم في مرحلة من المراحل، كما أن 50 % منهم لم يحصلوا على التطعيمات الواقية من الأوبئة والأمراض.

المعلومة الأهم في تقرير اليونيسيف أو الخلاصة الرئيسية هي أن دول وحكومات المنطقة المشمولة بالدراسة لا تتخذ إجراءات فعالة للتخفيف من ظاهرة الفقر والحرمان بين الأطفال ولا تجمع بيانات حولها ولا هي أصلا تستوعب الخطر الذي يواجه واقع هؤلاء الأطفال.

هذه هي الكارثة الحقيقية عندما تكون هناك دولة غير مهتمة بأطفالها أو بمستقبلها الحقيقي، ولا تبذل جهدًا في حدود إمكاناتها مهما كانت متواضعة لأجل توفير بيئة مناسبة لهؤلاء الأطفال. الخطر الفعلي في هذه القضية هو في وجود دولة لا تعي واقع أطفالها وغير راغبة حتى في معرفة هذا الواقع وتصحيح ما فيه من خطأ ومعالجة ما به من قصور.