+A
A-

جعفر الصائغ.. الاقتصادي المتمرس

- فضولي وحبي لمعرفة عقائد الآخرين أدخلاني الكنيسة والمعبد 

- في الدكتوراه كنت أدرس أحيانا 15 ساعة يوميا 

- في أميركا تجاوزت السرعة المقررة فأُشهر المسدس بوجهي 

- لعبت حارسا لمرمى فريق كرة القدم بالجامعة في الهند وبريطانيا

 

يؤمن بالتحدي وخوض المغامرات المحسوبة، ولا توجد مشكلة في نظره ليس لها حل. كافح وتعب وسهر الليالي حتى كوّن نفسه وحصل على أعلى الشهادات من أفضل الجامعات. اقتصادي بامتياز، ومستشار من الطراز الأول، خبير ويعلم ماذا يريد، دائم التفكير بالمستقبل.

يؤمن الدكتور الاقتصادي، والمستشار جعفر الصائغ أن السفر تجربة، وفترة الجامعة من أخطر مراحل الحياة؛ لأنها تشكل الشخصية، ويعتبر الاختلاط والتعرف على ثقافة الآخر فرصة غنية للمعرفة. 

وفيما يلي نص الحوار:

كيف كانت نشأتك ودراستك؟

الصاغة بشكل عام ينتشرون في مختلف مناطق البحرين، ولكن الأصل نحن من فريج الصاغة بالمحرق، منهم من انتقل إلى دولة قطر، ومنهم إلى الإمارات. أما الباقون وهم الأغلبية موجودون في المحرق. سكنت عائلتي بسبب ظروف عمل الوالد سترة، وذلك بعد أن تمت ترقيته من مدرس في مدرسة الهداية الخليفية إلى مدير لأول مدرسة في سترة.

درست في مدارس سترة المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم المرحلة الثانوية بمدينة عيسى.

كان طموحي في البداية دراسة الحقوق والمحاماة، بينما كانت رغبة والدي أن أكون طبيبا، إلا أن معدلي لم يؤهلني لذلك.

سافرت إلى الهند ودرست فيها بكالوريوس وماجستير اقتصاد وعلوم سياسية، ثم إلى بريطانيا لاستكمال دراساتي العليا في جامعة “كييل”، إلا أن الجامعة اشترطت علّي دراسة الماجستير لمدة عام واحد قبل الدخول في برنامج الدكتوراه، وبالفعل تم ذلك. مدينة بونا آنذاك كانت صغيرة ومليئة بالجنسيات المختلفة، منهم أوروبيون وأفارقة وعرب. وجود الغربيين كان بسبب وجود فيلسوف هندي “رجنيش” الذي جاء بعقيدة جديدة وأغلب أتباعه من الغرب، كان عددهم هائل وعقيدتهم التحرر من عقيدة الأديان. عدد البحرينيين كان يصل إلى نحو 300 في بعض الأحايين.

الحياة الجامعية فتحت لي المجال للاطلاع على العديد من الثقافات، والتعرف على الاتجاهات الفكرية المخلتفة، خصوصا وأن الجامعة كانت خليطا من الجنسيات والتيارات السياسية الدولية والإقليمية والبحرينية (...) هي تجربة جديرة بالاهتمام، فقد تزامن في تلك الفترة ظهور التيارات الإسلامية والليبرالية والصراعات السياسية، والتي استمرت قوية نسبيا حتى العام 1984. عايشت هذه الفترة بجميع تفاصيلها وخطورتها.

السفر للدراسة وفر لي فرصة للاطلاع على الكثير من الثقافات، الأمر الذي دفعني للقراءة والتعرف أكثر على التيارات السياسية وأيديولوجياتها وأصبح لديَّ حافزًا للقراءة والكتابة عنها لاحقا. كنت أحب الدخول في نقاشات فكرية سياسية آيديولوجية مهما كان التباين في الرأي والعقيدة والمذهب، كنت أحب العيش مع المجتمعات ذات العقيدة المختلفة وأصاحب أفرادا يعتنقون أفكارا وأيدولوجيات مختلفة. فضولي وحبي لمعرفة عقائد الآخرين ونمط معيشتهم أدخلني الكنيسة والمعبد، وأخذني للعيش في قرى ريفية مع العوائل الفقيرة وكذلك مع الأغنياء في البلدان التي زرتها. 

أتذكر أنه في إحدى المرات تعرفت إلى بعض الأفراد من العوائل البسيطة (الفقيرة)، فدعوني إلى منزلهم، وعندما ذهبت وجدت منزلهم عبارة عن منزل متهالك (خرابة) ومع ذلك قضيت تلك الليلة معهم.  

سارت أمور الدارسة في الهند بسهولة ويسر، بخلاف بريطانيا، فقد مررت بصعوبات مختلفة في جميع المراحل، لكنني تجاوزتها بفضل الله.

خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) ولدت الكثير من الصراعات، ولم تكن الجامعات بمنأى عن ذلك، (...) بدت الأمور معقدة بعض الشيء. كان الصراع بين البعثيين والجماعات الأخرى مثل الإسلاميين والماركسيين، وكثير من الأحايين يصل الصراع إلى العنف بمختلف أشكاله.

في الدكتوراه كنت أدرس في اليوم بين 8 إلى 10 ساعات وأحيانا تصل إلى 15 ساعة.

عندما غزا العراق الكويت في العام 1991، كنت في بريطانيا، وكان هناك العديد من الطلاب العراقيين، وبحكم الظروف السياسية بتلك الفترة وضع معظم هؤلاء الطلبة تحت المراقبة، وأدخل بعضهم السجن، أحدهم كان صديقي. ألقت الشرطة القبض عليه، عندها أعطى المحققين رسالة طلب فيها نقل أغراضه الشخصية من غرفته بالسكن إلى غرفتي ما دفعهم للتحقيق معي، (...) كانت من الصعوبات التي واجهتها، ثم أطلقوا سراحه وجميع العراقيين، واستكملوا دراستهم ولم يتم ترحيل أي منهم.

كل ذلك، من صراعات فكرية وسياسية لم تؤثر علي، بل علمتني الكثير من التجارب والمعرفة. كان تركيزي ينصب على المستقبل وخوفي من الفشل، فسعيت لتحقيق هدفي.

كنت أغيب عن البحرين بين 2 و3 سنوات للاستمرار ومواصلة الدراسة، وكوني كنت أدرس على نفقة والدي اضطررت للعمل لتمويل التزاماتي، لاسيما بعد أن دخل أبي في أزمة مالية حادة لبعض الوقت. عملت في التدريس 4 سنوات في جامعة السيجر (Alsager College)، وكانت تجربتي الأولى، وتم اختياري من بين عدد كبير من المتقدمين لتدريس دبلوما متقدمة في الاقتصاد لطلبة الماجستير، وهم من رجال الأعمال، وكان تحديًا كبيرا؛ لأنني لم أمارس التدريس سابقًا، وباللغة الإنجليزية، وفي بريطانيا، ولرجال أعمال! وعندما دخلت الفصل للمرة الأولى لم يكن لدي الجرأة للحديث وبقيت صامتًا لمدة 5 دقائق، واتخذت قرارًا بقبول التحدي والبدء بالتدريس.

كانت البداية صعبة، ولكنها تحدٍّ قبلته، حيث تمسكت بي الجامعة لسنوات. أتذكر أني دخلت مع طلابي في نقاشات فكرية اقتصادية وسياسية.

بسبب أزمة مالية خانقة طلبت من الجامعة منحي راتبًا مسبقًا؛ كون اندلاع حرب الخليج أخرت التحويلات المالية من البحرين، فمنحتني راتبًا لشهرين غير مسترد، وهذا فضل لا أنساه.  

في دراستي انخرطًت بالمجتمعات بشكل كبير، حيث كنت أحرص على حضور المناسبات الدينية والاجتماعية، كما كنت أحب الرحلات والتنقل، فأنا محب للطبيعة واكتشاف جمالها.

كما سجلت في جمعيات ثقافية ببريطانيا مختصة بتنظيم الندوات والمؤتمرات، كانوا يجلبون متحدثين متنوعين، وزراء، رؤساء وزراء سابقين، وكان عدد المدعوين محدودًا لا يتجاوز 30 شخصًا. وأعطتني هذه الندوات مجالا للانفتاح الاقتصادي والسياسي.

بعد تخرجي كنت مخيرا بين الرجوع إلى البحرين أو مواصلة العمل ببريطانيا، لكنني فضلت العودة إلى وطني. رجعت في فترة الصيف، وحصلت خلالها على عمل في جامعة البحرين كمدرس بنظام جزئي في العام 1994، وجامعة نيويورك، ومعهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية (BIBF) ولاحقا الجامعة الملكية للبنات، وفي الوقت ذاته عملت باحثًا اقتصاديًا في وزارة المالية.

 

 تجربتك في مجلس الشورى؟

بيئة العمل بشكل عام تعلمك فن التعامل مع الآخرين، وتكشف لك معادن البشر. وأنت ملزم للتعامل معهم جميعا. أعتقد أن بيئة العمل مرحلة من مراحل التعلم والإنتاج. كانت تجربة ناجحة، فقد عملت مستشارا اقتصاديا، وهو عمل اقتصادي بحت، وفي تخصصي تحديدا، وتعاملت مع رجال أعمال ومتخذي القرار بقضايا وطنية، كانت تجربة قيمة.

وبعد مجلس الشورى، قررت الاتجاه للعمل الحر، ففتحت مكتبًا استشاريًا حمل اسم أصغر بناتي علا (العلا للاستشارات) في بداية 2017 آمل من خلاله أن أواصل خدمة الوطن والمجتمع البحريني بتوظيف الخبرة التي اكتسبتها، وأعتقد أن هذا المجال سيجعلني أتعامل مع الجهات كافة بالقطاعين العام والخاص، فنحن نقوم بإعداد دراسات الجدوى لمختلف المشروعات الاستثمارية، وأساعد على إيجاد حلول للمشكلات التي يعانيها القطاع الخاص، إضافة إلى ذلك أقدم محاضرات وورش عمل وندوات تدريبية. وأطلب من الله التوفيق في عملي.

 

تجربة الدراسة في الخارج، ما الذي اكتسبته منها؟

تعلمت الصبر والتريث لدى حدوث أمر صعب، فالتسرع والتخبط يطيل عمر المشكلة. كما تعلمت عندما يكون لدى الفرد رؤية وٍاضحة لن تكون أفكاره مشتتة ولن ينحرف عن أهدافه. أرى أن حياة الطالب ليست سهلة رغم أنها ممتعة جدًا، فهي من أخطر مراحل الحياة؛ لأنها تشكل شخصيته، كما يمكن أن ينجرف خارج الهدف الذي سافر من أجله، فيخسر الدراسة وقد يخسر مبادئه. لدي زملاء وقعوا في مطبات أبعدتهم عن الدراسة، ورجعوا خائبين.

البلد الآخر الذي درست فيه هو أميركا، حيث التحقت بدورة مكثفة عن التحليل الاقتصادي لنحو 5 أشهر في 1997. يختلف المجتمع الأميركي عن المجتمعات الأخرى، فالفرد لا يشعر هناك بأنه أجنبي؛ لأن المجتمع خليط من الجنسيات والكثير لا يعرف تحدث الإنجليزية، بخلاف بريطانيا والهند.

ومن المواقف الطريفة التي صادفتني هناك، كنت أقود السيارة من ولاية إلى أخرى وتجاوزت السرعة المحددة، ولم أكن أعرف القوانين بضرورة التوقف عند تنبيهي من الشرطة وعدم النزول من السيارة وإبراز بطاقة القيادة، فظلت سيارة الشرطة تتبعني مسافة حتى توقفت للاستعلام عن السبب - وكان هذا الشارع مشهور باغتيال الشرطة من جانب تجار مخدرات وبشكل يومي – فاختبأ الشرطي خلف السيارة، وأشهر مسدسه في وجهي، وأخبرني بأنه سيطلق النار، وخلال فترة زمنية وجيزة أحاطت بنا سيارات الشرطة وطائرة هليوكوبتر، وبعد تفتيشي والتأكد من عدم حملي أي شيء، انتهى الأمر. 

 

 نصيحتك للشباب الراغب في بدء مشروعهم الخاص؟

عليهم دراسة المشروع بشكل جدي، ومعرفة المجال الذي يرغبون الاستثمار به، مع ضرورة الاطلاع على التجارب الموجودة، وأسباب نجاح وفشل الآخرين، ووضع التطورات غير المتوقعة في الحسبان لتلافيها في حال حدوثها. إن العمل بالقطاع الخاص يصقل المهارات ويوفر فرصا استثمارية كثيرة. كما أنه يمكن للشخص الدخول بشراكة مع آخرين لتقليل المخاطر.

 

كيف استطعت التوفيق بين حياتك العملية والأسرية؟

تكوين أسرة ناجحة حرفة لا يتقنها إلا العقلاء والصابرون، فهي مهنة شاقة تحتاج تضحيات وتفاهما ورؤية وتخطيطا. أسرة ناجحة يعني إنتاج جيل ناجح مثقف، وهذا يتم بنقل تجربتك إلى أبنائك لتضمن لهم مستقبلا أفضل.

الوالد والوالدة رحمهم الله، والزوجة والأبناء فيما بعد، والإخوة تحملوا الصعوبات خصوصًا وقت عملي بالتدريس، حيث كنت أعود بساعة متأخرة من الليل.

 

 الرياضة في حياتك.

أحب الرياضة ومازلت أمارس كرة القدم والريشة والمشي والسباحة والدراجة الهوائية. لعبت حارسًا لمرمى فريق كرة القدم بالجامعة في الهند وبريطانيا، وكنت الحارس الأول بالفريق.

حصلنا على بطولات، وكان من ضمن الفريق بالهند النائب أحمد قراطة، ومستشار في وزارة الصناعة والتجارة محمد الفردان، ولاعب منتخب البحرين والحالة سابقا علي يوسف الخياط، ولاعب الدفاع في فريق الأهلي سابقا أحمد العلوي، وكثير من الشخصيات التي تتقلد مناصب عليا الآن.

أهوى العمل التطوعي، ولكنني مقصر في ذلك، كنت عضوا إداريا، ثم نائب رئيس، وثم رئيس لجمعية الاقتصاديين البحرينية، وعضوا في جمعية الخير.

 

 فريقك الرياضي المفضل.

أحب الفرق التي تقدم فنا وإبداعا مثل فريق البرازيل لكرة، وريال مدريد. أما فرقنا المحلية، فهي متذبذبة. أتمنى أن أرى نادي سترة وهو يلعب بين الكبار.

  

 مواقف طريفة.

من المواقف الجميلة خلال لعب كرة القدم عندما كنا نذهب إلى القرى من أجل اللعب، كان الريفيون يلتقطون الصور معنا للذكرى وكأننا من اللاعبين الكبار، ويحملوننا فوق رؤسهم بعد فوزنا.

في إحدى المرات خرجت مع أصدقاء لي نتجول على الدراجات في إحدى الغابات، وكان المطر غزيرا، فاختبأنا في غرفة وسط الغابة حتى يهدأ المطر، ورأينا أثناء ذلك جماعة قادمة من بعيد تحمل شيئًا على رأسها، وعندما اقتربوا علمنا أنهم يحملون جثة جلبوها لحرقها في الغرفة التي كنا مختبئين بها، والتي اتضح أنها محرقة.

  

 أول راتب حصلت عليه.

- 300 دينار في العام 1989 نظير عملي مدرسًا في جامعة ببريطانية، بإعطاء دروس مرتين في الأسبوع مدة الدرس الواحد 3 ساعات.

 

 شخصية أثرت في حياتك.

أعتقد شخصية الوالد وكفاحه في التعليم ومواجهة الفقر المدقع، حيث عاش يتيمًا منذ أن كان عمره 4 سنوات، كون نفسه من الصفر، فلم يكن لديه إرث ولا مال ولا معين غير خاله. درس في الهند، وحصل على الشهادة الثانوية والدبلوم؛ لأن خال والدي كان يمارس التجارة (تجارة السلع واللؤؤ) بين البحرين والهند.

وقد تأثرت بوالدي وجعلني اقتنع أنه لا توجد صعوبات ليس لها حل، ولا أزال مقتنعًا بذلك.

كما أن هناك شخصيات ناجحة تؤثر في حياتي، وأفكر في الكتابة عن تلك الشخصيات.

إضافة إلى والدي تأثرت بعلماء وبشخصيات عديدة دينية وسياسية واقتصادية كانت مؤثرة في بلدانها ومجالها العلمي ساهمت بتقدم البشرية بعلمها وأفكارها ونظرياتها، وأضافت قيما لمجتمعها وللإنسانية.

لديَّ الآن أربع بنات رواء سنة ثالثة كلية الطب بالجامعة الآيرلندية، زينب ثالث ثانوي، وفتون الصف الثامن، وعلا الصف الثالث. وزوجتي معيدة في جامعة البحرين.