العدد 3159
الخميس 08 يونيو 2017
banner
الرأس أيها النواب... الرأس
الخميس 08 يونيو 2017

في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب جرت مناقشة موضوع قديم مقلق ألا وهو “العمالة السائبة”، أو المعروفة شعبوياً بـ “فري فيزا”، وهذا من الأمور المهمة اجتماعياً واقتصادياً، ولكن ما لفتني هو الخلاصات التي ذهبت إليها المناقشة وهي تشديد العقوبات على من يقْدم على تشغيل عامل من هذه الفئة، وذلك لأن العامل في هذه الحالة سيكون خارج القانون، فانتهى النواب إلى المزيد من التشديد على المشغّلين، حبساً وغرامة، وتتضاعف العقوبات عند العود، والعود هنا ليس “أحمداً” بالتأكيد.

العمالة السائبة تناهز الستين ألفاً، وهو ما يعادل 10 % من إجمالي القوى العاملة في البحرين، وهي نسبة كبيرة ويعتبر عدد كبير من أصحاب المصلحة ظاهرة العمالة السائبة ظاهرة مدمّرة  ((ظاهرة العمالة السائبة بالبحرين: تقييم لحلول مقترحة، غرفة تجارة وصناعة البحرين، نوفمبر 2015، ص 5))، وواحد من أوجه هذه الظاهرة أن العمالة الوافدة بشكل عام (وليست السائبة)، تحوّل 77 % من رواتبها إلى خارج البحرين، أو ما قيمته 889 مليون دينار كما في العام 2014 ((صحيفة «الوسط»، 06 أغسطس 2016)).

والعمالة السائبة ليست واحدة، بل هي على أربعة أصناف إذ سبق للرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل أسامة العبسي، أن صنّف العمالة السائبة، في تحقيق سابق، كالتالي: المسجلون على منشأة غير قائمة، ومن لم تجدد تراخيص عملهم في السوق المحلية، ومن أُلغي ترخيصه ولم يغادر، بالإضافة إلى فئة رابعة من العمالة السائبة تضم عمّالاً ببيانات صحيحة قانوناً، إلا أنهم لا يعملون لدى الكفيل الأصلي المسجلين باسمه في السجلات الرسمية ((صحيفة «الوسط»، 05/10/2016)).

ليست لديّ تقسيمات واضحة للعمالة السائبة الآتية من تقسيمات العبسي الأربع، إلا أن واحدة من أهم منابع هذه العمالة هي الفئة الرابعة، وهم الذين يتم استجلابهم، بل استدراجهم إلى البلاد تحت ستار العمل في سجلات وهمية أو غير نشطة، وتسريحهم في البلاد، وتراهم من غير عنوة يجوسون خلال الديار، ويحاولون التحصل على عمل أيّاً كان، لأن وراءهم أيادٍ تمتد لتطلب حقها، كالعائلة التي ما أتى إلا لإعالتها، ومن استدان من عنده مبلغ الاستعداد للسفر والدفع للوسطاء الذين وعدوه بجنة الله على الأرض، والوسيط في البحرين، ومصّاص الدماء الذي استقدمه وسرّحه.

ما تراكم الآن في البحرين ليس عددا قليلا على بلد صغير جداً كالبحرين، ولنا أن نتساءل أسئلة ساذجة جداً، من مثل: كيف وصل عدد العمالة السائبة إلى ما وصل إليه؟ أين الجهات الرقابية والتفتيش؟ أليست العمالة السائبة من الموضوعات التي اقتاتت عليها الصحف قبل أكثر من عشرين عاماً، أي منذ التسعينات فلماذا لم تقرع هذه المواد أجراس الخطر الأمني والاقتصادي والسياسي والحقوقي بما يكفي بدلاً من تعقّد الحلول لتجري معالجتها في المهد؟ العقوبات المقترحة اليوم، والمعمول بها بالأمس على المشغّل تعتبر الشاش التي يلف بها الجرح، ولكن ما الذي غرمه محدث الجرح نفسه، سواء من يتاجر بهم، وهم أناس «يُفترض» أن يكونوا معروفين، أو على الأقل التجار الأكثر ضراوة، على اعتبار أنهم يتاجرون في «الممنوع»، وهم البشر، وماذا عن المؤسسات التي تنهي تعاملها مع العامل الوافد من دون إجراءات بعدية؟

كالكثير من الملفات يجري غضّ الطرف عنها وهي جنينية حتى إذا ما استفحلت أقيمت لها المؤتمرات، وفتحت لها الملفات، وجيء يومئذ بخبراء وشركات دراسات الجدوى، وتمت «مرمطة» الملف بين النواب والشورى والحكومة، حتى إذا ما صدر تشريع لحل الموضوع، يكون الموضوع قد زاد تعقيداً، وقام بتخليق مشاكل جديدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية