من حرم من نعمة الأبناء قد ينفق ماله جله في سبيل أن يرزقه الله عز وجل بطفل واحد، فحين لا يقدر البعض هذه النعمة الكبيرة، فيهمل في تربية أبنائه أو يفرط فيهم.

ضياع الأطفال من ذويهم حدث يتكرر من حين لآخر، لكن ما أعلنته هيئة تنظيم سوق العمل عبر صفحتها في الفيسبوك أمر يستحق التوقف والتأمل، إذ أعلنت الهيئة عن العثور على طفل مفقود في سوق المنامة عند منتصف ليل الأربعاء الماضي، وقدرت الهيئة عمر الطفل بنحو العامين، وقالت إنه يبدو غير بحريني، مشيرة إلى أن أحدا لم يتقدم إلى الآن لاستعادة الطفل ولم يتم الإبلاغ عن طفل مفقود في أي مكان بالبحرين!

الرئيس التنفيذي للهيئة أسامة العبسي أكد، في لفتة تعبر عن حسن نية، أنه لن يتم اتخاذ أي إجراء ضد والدي الطفل إذا حضرا لاستعادته في حال كان تصريح عملهما أو إقامتهما منتهيان، ومع هذا لم يحاول أي منهما استعادة هذا الطفل المسكين، الذي تم إيداعه في بيت بتلكو لرعاية الطفولة بمنطقة السيف.

حسن النية وحده في حالة هذا الصغير البائس لا يكفي، إذ لا يمكن أن تطغى أي مشكلة تتعلق بوضع الإقامة أو العمل على عاطفة فطرية أوجدها الله برحمته في قلوب جميع خلقه فتكون عائقا أمام رغبة أبوية صادقة لإعادة ضم فلذة الكبد إلى حضن أسرته. 

عدم الإبلاغ عن فقدان الطفل يوحي بأن في الأمر “إن” ويؤكد أنه لا يمكن الوثوق في أبوين فرطا في صغيرهما وتركاه يهيم على وجه في بلد غير بلده يتحدث أهله بلغة غير لغته، فالمبرر الوحيد الذي يمكن قبوله هو أن يكون كلا الأبوين تعرضا لمصيبة كبيرة منعتهما من التبليغ عن ضياع الطفل.

لكن من رحمة الله بعباده أن يسخر لهم من يرأف بحالهم، ومن حسن حظ هذا الصغير أنه افترق عن أسرته في بلد عرف عن أهله الخير والعطف والرحمة، وأكبر دليل على وجود هذه الخصال الإنسانية الأصيلة في نفوس البحرينيين هو تجاوز الدار الذي تم إيداع الطفل فيه عن أول شرط من شروط وإجراءات القبول وهو أن يكون الطفل بحرينياً.

حتى وقت كتابة هذا المقال لم يتصل والدا الطفل بهاتف الدار الذي نشرته الهيئة، ومن يدري لعل الله أراد أن يبدل هذا الصغير أبوين خيرا من أبويه. وفي كل الأحوال لا يجب تسليم هذا الصغير أو غيره من الحالات المشابهة إلى آباء لا يرعون الله في تربية أبنائهم ولا يستحقون هذه النعمة العظيمة.