العدد 3181
الجمعة 30 يونيو 2017
banner
شكرا... لقد أنجزتم المهمة
الجمعة 30 يونيو 2017

في كليات الهندسة يدرس الطلبة في السنة الأولى على ما أذكر مادة في الرسم تسمى الهندسة الوصفية، من الصعب على كثيرين معرفة الصورة في البداية، بل يرونها شيئا غير منطقي و”لخبطة بالقلم”، إلا أنه بمجرد الانتهاء ووضع القلم جانبا تتبين صورة واضحة لمجسم معين أو شكل محدد، هذا ما يحدث في سوريا العربية منذ سنوات، ففيها نرى عدة صور و”لخبطة” في المواقع والمواقف للأطراف المختلفة، ولكنها بدأت تتضح حاليا شيئا فشيئا وهو ما يعني ربما قرب انتهاء العمليات القتالية.

عندما بدأت المشكلة السورية كانت الصورة واضحة تماما كما هي ورقة الرسم، فقد كنا نرى شعبا ونظاما بينهما خلاف، الشعب يرى أنه فاقد للحريات الأساسية في وطنه فهب مطالبا بها، وعلى الطرف الآخر نظام يريد أن ينهي ذلك التمرد الشعبي أو الثورة الشعبية بأقل الخسائر من أجل البقاء، ثم بدأت الألوان تسقط على الساحة السورية وتختلط ببعضها حتى غابت صورة الحقيقة واختلط الحابل بالنابل ودخل الجميع وغابت الحقائق وساد اللون الرمادي المغيب لملامح الصورة، كل طرف يعادي ويقاتل باقي الأطراف، أما دول الخارج فجميعها تتبرأ وتنفي مع أنها منغمسة حتى النخاع في الأزمة تزيدها استعارا كلما خف لهيبها.

وحاليا كذلك نشاهد ما كنا نتحدث عنه كثيرا من قبل، نرى أجزاء متفرقة من سوريا، كل جزء يتبع جهة معينة (خارجية بالطبع) وليس بينها أي طرف عربي، نرى روسيا تهمين على جانب من الأرض السورية، ونرى تركيا هي الأخرى تضع سيطرتها على الجزء الشمالي الغربي، ونرى الولايات المتحدة بالتحالف مع الأكراد تهيمن على الشمال الشرقي وجزء من الجنوب وذلك لكي يتم ضم الجزء الشمالي لمنطقة يراد أن تكون كردية وليست عربية سورية، ثم طريق في الوسط يربط إيران بلبنان عن طريق العراق الواقع تحت الاحتلال الإيراني وسوريا ثم ما تبقى من الأرض السورية يتم تقسيمه طائفيا بالتفريغ والإحلال الديمغرافي.

كل ذلك يحدث بمعزل عن القرار العربي الذي أوقد النار في البداية ثم ترك الساحة لغيره ليصول ويجول فيها، فجميعنا نذكر ما حدث في البداية وكيف عالجت الجامعة العربية الأزمة وتسببت في فتح الساحة لغير العرب حتى غدونا نرى تركيا وإيران الجهتين المعنيتين بالحوار حولها، أما العرب فلا رأي لهم ولا قرار، إنما عليهم الانتظار ليعرفوا ما وصلت إليه تلك الدولتان ومعهما روسيا وأميركا.

مازال هناك وقت للقرار العربي ومازال بالإمكان فعل شيء لو فكر العرب ولم تأخذهم العزة بالإثم وأقروا بواقع يصعب تغييره بالقوة وعاد العقل إلى العمل لا الرغبة في الانتقام...  والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .