العدد 3191
الإثنين 10 يوليو 2017
banner
أولوية اسمها الوطن
الإثنين 10 يوليو 2017

من بين أطنان ما يصلنا يومياً من “المعلّبات” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من تصبيحات، وتمسيات، وجمعات مباركات، ومنقولات، ومقاطع مصورة، وأخرى مسموعة، يمكنني أن أفوّت الكثير منها من دون أن أفتح كل شيء، وإلا صرت أسير أي شيء، حتى إن فاتني المهم منها أحياناً. لفتني في الأسبوع الماضي ما أرسله أحد المعارف عن نهضة الصين، وسأنقل ما يحتاجه هذا المقال من ذاك المقال: إذ كانت الصين دولة شعبية فقيرة جداً وضعيفة لغاية عام 1977 وكانت أعلى المنتجات الصناعية الرئيسية في البلاد هي “الغزل والأقمشة والفحم الخام والحبوب والقطن”. 

في عام 1978 وبعد تولي دينج هسياو ينج، الأب الروحي للنهضة الحديثة في الصين، طلبَ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم الموافقة على التعاقد مع خبير تنمية إدارية واقتصادية عالمي للنهوض بالواقع الاقتصادي المتردي للصين الشعبية، ورفض طلبه سبع مرات حتى أقنعهم في المرة الثامنة. وبعد مفاوضات شاقة مع جامعة أوكسفورد لتوفير خبير يرشد الصين إلى ما تحتاجه للنمو والتطور، حدد الخبير أربع نقاط أساسية لمشروعه مع حكومة الصين هي :العمل من أجل حكومة نظيفة وأمينة ونزيهة، وتضييق الفجوة الاقتصادية بين شرق الصين وغربها، وتقليل التضخم بالعملة، وتدريب الوزراء على الإدارة والقيادة وتعلم الإنجليزية، ونقل الوزراء هذه التجربة إلى موظفي وزاراتهم. كان خبيرهم هو البروفيسور العراقي إلياس كوركيس، الأستاذ في جامعة أكسفورد البريطانية. ولكن هذا المقال لا يذهب إلى البكائيات على المواطن العربي في بلاده وفي بلاد الغير، ولكنه يذهب إلى مكان آخر.

لا أقول إن الوطن العربي بأسره يداني الصين كثافة بشرية، ولكن لديه المساحات، ولديه العقول، ولديه الثروات الطبيعية التي ليست لدى الصين، ولديه أكداسٌ من المتعلمين، والجامعيين المحليين والخارجيين، إذا، ما الذي ينقصنا لنتطور؟ الخطط؟

لقد ملّت منا الخطط، وصرنا نجرّ أرجلنا إن قيل إن لجنة للتخطيط الاستراتيجي ستبدأ وضع خطة طويلة، أو متوسطة الأجل، وبتنا نعرف بعضاً من المصطلحات الجديدة مثل المبادرات، والخطط التنفيذية، والـ Mile Stone، ومع ذلك لا نتطور، بل للأسف تقارير كل عام أسوأ – في الغالب – من تقارير العام الذي سبقه، لم يحدث لنا ما حدث للصين... لماذا؟

نعرف أنه لا ينقصنا الذكاء في هذا الوطن الكبير الذي طالما صدّر بعضاً من ألمع الأفراد إلى العالم، وأشعّوا هناك، في مقابل أضعاف الذين انطفأ وميضهم، لا تنقصنا الخبرات، ولا الأموال، ولا الأحلام... تنقصنا فقط الإرادة التي تحوّل هذه الخطط إلى واقع، لا أن تقف بعد أشهر وينتابها الملل والتعب، ولا تجري لملمة الخطة والخرائط والرسومات البيانية لأن المسؤول فيها إمّا مات أو تغير منصبه، حينها يحقّ لك أن تكفر بكل الشعارات المصمتة، إذ ما عادت تطنّ، في حب الأوطان، وتفديتها، والذود عنها... حينها تشعر أن الوطن أي شيء، ما عدا أنه “أولوية”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية