+A
A-

انطلاق الدورة الـ53 لمهرجان قرطاج الدولي بـ"فن تونس"

الموسيقى التونسية ليست فقط إيقاعات وأصوات صنعت تاريخها ومجدها، ولا هي مجرد حكاية عابرة في التاريخ، هي أيضا وخاصة قصة عشق لا تنتهي فصولها مع الجمهور.

جمهور يحب الموسيقى التونسية، بنغماتها المتفردة وبرموزها الذين أثروا مكتبتها جيلا بعد آخر وبألوانها المتنوعة، جمهور لم يتخلف عن حضور افتتاح الدورة الثالثة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي ليلة الخميس 13 جويلية الجاري تحت عنوان كبير وجذّاب "فن تونس: ستون سنة موسيقى تونسية".

ستون سنة، عمر استقلال تونس، ستة عقدًا من الزمن، كيف يمكن اختصارها في ساعتين؟ وما هي إضافة الفنان "شادي القرفي" للأغاني التونسية التي يعرفها الجمهور ويحفظها عن ظهر قلب  بنغماتها الأصلية الأصيلة؟.

اختيار "شادي القرفي" للأصوات التي غنت في عرض "فن تونس: ستون سنة موسيقى تونسية" كان موفقا لأنه قدم أصواتا تمثل كل أجيال الأغنية التونسية من "سلاف" إلى "قاسم كافي"، ومن "نور الدين الباجي" و"عدنان الشواشي" و"رشيد الماجري" إلى "محمد الجبالي، و"منجية الصفاقسي" و"أسماء بن أحمد" وصولا إلى "نور قمر" حاملة أمل الموسيقى التونسية ومستقبلها في صوتها الإستثنائي.

أما بصمة "شادي القرفي" وإضافته للمشروع فهي الكتابة البوليفونية الأركسترالية للأغاني التي تم ترديدها في العرض، وحاول من خلالها اختصار مراحل تطور الأغنية التونسية على مدى ستين سنة، والكتابة الأركسترالية مغامرة من الفنان "شادي القرفي"، لأنه يقدم تصورًا مغايرًا للتركيبة اللحنية للأغاني التي يعرفها الجمهور، وهو دخل المغامرة بسلاح المعرفة الموسيقية، والرغبة في التجديد، وإثبات أن الموسيقى على رمال متحركة وليست جمادا لا يتحرك وأن الكتابة الموسيقية يمكن أن تعطي حياة جديدة للموروث الموسيقي.

انطلق حفل الافتتاح في العاشرة ليلا بتنفيذ أوركسترالي للنشيد الوطني التونسي، ثم اعتلى الركح الفنان الكبير "نور الدين الباجي" الذي يرادف اسمه كل الأشياء الجميلة في الموسيقى: الصوت الاستثنائي، والآداء المتمكن الذي قاوم الكتابة  الأركسترالية بآدائه الكلاسيكي الطربي  فأعطى المزج بينهما روحا جديدة لأغنيتي "كي يضيق بيك الدهر يا مزيانة" للصادق ثريا"، و"أنا جيتك يا رمال" ليوسف التميمي.

بعده أطلت "منجية الصفاقسي" بصوتها المتوهج لتغني "عودتني ع الود" التي لحنها الفنان "عبد الكريم صحابو" للفنانة "ثريا عبيد" و"تتفتح لشكون" التي لحنها الفنان الكبير "محمد التريكي" للمطربة "سنية مبارك" قبل ثلاثين عاما.

أما "سلاف" فهي فصل مهم  من تاريخ الأغنية التونسية ولذلك استقبل الجمهور ظهورها على ركح المسرح الروماني بقرطاج بتصفيق كبير لينتشي بصوتها المتدفق التي زادته السنوات ألقا وهي تغني "ياما قلبي يطير وجنح" و"محبوبي الغالي".

بعدها، كان الجمهور أمام قامة فنية كبرى، اسمه علم لا يحتاج إلى تقديم، "عدنان الشواشي" الذي شدا بصوته العذب أغنيتين "ما حبيتش" لعلي الرياحي وواحدة من أجمل أغانيه "عيبك" التي هزت الجمهور من الأعماق.

ولأن استمرار الموسيقى التونسية مرتبط بجيل عليه واجب تحمل إرثها الغني، غنت "نور قمر" منافسة بشجاعة أمام الكبار، غنت للطفولة الأمل متبوعة برائعة "علية" خلي يقولوا آش يهم، ليطل بعدها المطرب "محمد الجبالي" الذي يختصر في صوته عذوبة الموسيقى، فأمتع الجمهور بأغنيتي "تبعني نبنيو دنيا زينة" للهادي الجويني و"فوق الشجرة" للمطربة "صليحة".

أما في الفصل الأخير من السهرة فقد اهتزت المدارج بالإيقاعات التونسية التي افتتحها الفنان "قاسم كافي" بأغنية "ليليري يامة" فرقص الجمهور وصفق متفاعلا مع الفنان "رشدي بالقاسمي" الذي قدم عددا من اللوحات، ودق بقدميه ركح المسرح الروماني بقرطاج معبرا عن الحرية في أسمى معانيها… "رشدي بالقاسمي" أكثر من راقص يجيد فن الرقص… هو فنان يهز المتفرج بحركاته، يستدرجه ليعطي أمام كل حركة عنوانا ومعنى

غنى "قاسم كافي أيضا "شهلولة" لأحمد حمزة وهي واحدة من الأغاني التي ظلت صامدة منذ إنتاجها في 1962 إلى اليوم، وانتهت السهرة بتكريم الفن الشعبي من خلال أحد أهم رموزه "إسماعيل الحطاب" الذي غنى له "رشيد الماجري" كوكتالا من أشهر أغانيه.

في افتتاح الدورة الثالثة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي، اجتهد "شادي القرفي" في اختصار تاريخ ستين سنة من عمر الموسيقى التونسية بمختلف ألوانها وأنماطها عبر كتابة بوليفية وتنفيذ أوركسترالي مجدد، في حضرة جمهور جاء بعضه حنينا إلى الماضي وأغاني"أيام زمان".