العدد 3203
السبت 22 يوليو 2017
banner
ما بين الطائر العفريني وحُماته (2)
السبت 22 يوليو 2017

كان كبار السن في قرية تابعة لمنطقة عفرين تدعى كوردان مثل محمد إيبش الملقب بـ “كاكو” وحمو أحمد بسه والشيخ محمد عمر أحمد ومحمود أحمد عمر المعروف باسم “أبو عبدو” يقصون علينا عن الطائر الغريب تصرفات مدهشة تستدعي النظر والتأمل، حيث كان أهل القرية كلهم يلاحظون الأرياش مرمية تحت شجرة السرو التي اتخذ الطائر من أعاليها مكاناً لإقامته، ولكن لم يشك أحد ولا سمع أو رأى أحد من أبناء القرية أو لاحظ أن الطائر اعتدى في يوم من الأيام على أية دجاجة من دجاجات وديوك القرية بالرغم من رؤيتهم الطائر وهو يمسك بين الفينة والأخرى إحدى ضحاياه بين مخالبه ويهبط مع المحمول إلى الشجرة، إذ كان تصرف الطائر محط استغراب كل أهل القرية حيث إنهم يشاهدون دجاجات القرية متنقلات جيئة وذهابا في ظل تلك الشجرة، ولكن الطائر الذي يتغذى من لحوم الدجاج لم يكن ليقترب من دجاجات أو ديوك القرية، وعلم الجميع أن الطائر يقوم بالغزو في مضارب القرى المجاورة ويأتي بفريسته، ومع الأيام انتشر خبر الطائر وصار محط جدالٍ بين أهل القرية وبعض صيادي القرى المجاورة لقرية كوردان، حيث عقد بعضهم العزم على قتل الطائر الذي يغزو مواضع دواجنهم، حيث أراد أحد صيادي قريةٍ مجاورة النيل من الطائر وتصفيته، إلا أن القرية كلها هبت للدفاع عن الطائر، لم يسمحوا لأحد من رجالات القرى المجاورة بأن يقتلوا ذلك الجارح الغريب إلى أن غادر الشجرة والقرية برمتها من تلقاء ذاته.
وجليٌ بأن الحكمة من تصرف الطائر الجارح ومن هذه القصة برمتها لا تحتاج إلى الشرح والتفسير الطويلين، حيث يظهر مدى حرص الطائر على أشياء القرية التي آوى إليها واتخذها موطناً له، وكيف أدرك الطائر غريزياً أن عليه أن يكون حريصاً على أشياء وحياة كائنات القرية؟ علماً أن طائر قرية كوردان لم ينتم يوماً إلى عالم السياسة، ولا أدّعي أنه يحمل آيديولوجية معينة، ولا كانت له نظرية أممية يسير على نهجها، ولا انتسب لجمعيات الرفق بالأنام، ولا كان ذا تفكير عشائري يمنعه من أذى أقربائه، إنما كان مجرد طائرٍ ينتمي إلى عالم الجوارح وليس كائناً بشرياً يتبجح بالسفسطة الإيكولوجية كما هو حال الكثير ممن يدعون أنهم حُماة المنطقة، الذين وعلى العكس من ذلك الطائر يفتدون المناطق المجاورة بزهرات القرى الكردية، وربما هم على استعدادٍ دائم لأن يفتدوا كل سوريا بأرواح المئات من شباب القرى التي يدّعون أنها منهلهم ومأواهم وقاعدتهم وحاضنتهم الشعبية الأولى والأخيرة!
وبتصوري لو كان الطائر يجيد النطق مثل أهل القرية لقرأ عليهم مزاميره قبل مفارقتهم قائلاً لهم: مَن لا خير فيه لأهله ومن كانوا حوله وفي محيطه لن يكون ذا فائدة للآخرين أيضا. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .