+A
A-

"الجينز" موضة عملية " تعود الى القرن السادس عشر

يفرض القماش المعروف بـ"الجينز" نفسه بقوة على الشباب كافة من الجنسين كلباس عملي يحمل مواصفات عدّة لم تتوافر في أي نوع آخر من القماش حتى اليوم. ولقد أخذت سيرة الجينز حيّزاً كبيراً من الجدل والنقاش بين الأوروبيين وبين الأميركيين، وذلك انطلاقاً من ادعاء كل من الطرفين بحقه في أولوية الابتكار والجودة.

بحسب العديد من المصادر التاريخية، فإننا نرى أن قصة "الجينز" تعود الى القرن السادس عشر حين بدأت المقاطعة الايطالية المستقلة Gênes تنتج نسيجاً من الصوف والكتان ثم من القطن والكتان لأشرعة السفن التي تقاوم الريح والعواصف، هذا الى جانب إنتاجها لكل أنواع الخيم. وبمرور الزمن، بدأت بتصنيع السراويل للبحَّارة. ويقال إن كلمة "جينز" مشتقّة - صوتياً - من اسم "جنوى".

وزعم الأميركيون بأنهم أول من صَنَعَ هذا اللباس، فيما أصرّ الفرنسيون والبريطانيون والايطاليون على أن مهد هذا "الزي" هو أوروبا، على الرغم من اختلافهم حول أولوية كل بلد منهم في احتضان نشأته!

ارتبط اسم أوسكار ليفي شتراوس Oscar Levi-Strauss بصناعة "الجينز"، وكان ليفي هذا هاجر من منطقة بافاريا الالمانية وهو بعمر 24 عاماً مع عائلته الى اميركا- كاليفورنيا- عام 1874 وذلك اثناء تصاعد حمّى البحث عن الذهب هناك والعمل في مزارع القطن.

وكان الوضع الميداني في تلك البلاد يحتاج باستمرار الى الخيام والشوادر لآلاف العمال الأفارقة المجلوبين من القارة السوداء، والذين بدورهم بحاجة الى لباس يحمل مواصفات القوة والمنعة ولا يبلى بسرعة، ويكون عملياً وصامداً أمام العوامل المناخية من حرارة ورطوبة وبرودة ووحول.

وفي احد الايام تفتَّق ذهن الشاب أوسكار ليفي شتراوس عن تجربة تصنيع سراويل لهؤلاء العمال من قماش الشوادر والخيام! فقام بتجربة كانت بحدّ ذاتها مغامرة، فجاء بقطعة من قماش "الشادر" وربط طرفيها بحصانين باتجاهين متعاكسين ليختبر مدى قوة النسيج... ونجحت التجربة.

ومنذ تلك اللحظة ولد ما يعرف بـ"الجينز" كلباس، وذلك قبل أن يأخذ شكل "البنطلون". فهذا الشاب الذي جاء الى اميركا سعياً وراء الذهب أصبح اختصاصياً في القماش وتجارته، وما لبث أن أسس ماركة "ليفايز" Levis للجينز.

وكانت مدينة Nimes الفرنسية تنتج القماش ذي اللون البنفسجي الداكن، فاستعان ليفي بهذا اللون وطوّره، ومنذ ذلك الوقت ظهر ولأول مرّة "الجينز الازرق" Blue Jeansواصبح هذا اللباس "رجالياً"، لكن ليس لكل الرجال، وإنما كان فقط للرجال الخشنين الذين يعملون في المهن التي تعتمد على مجهود عضلي، او من يقومون بأعمال تحت ظروف قاسية وصعبة، فهو لباس يتّصف بمقاومته الشديدة ومتانته، وتحمّله للاوساخ والزيوت وما شابه، هذا بالاضافة إلى مزاياه العملية والى صموده كنسيج امام غسله المتكرر... ومع أن الجينز بدأ لباسا للعمال والمزارعين ومن ثم لرعاة البقر، الاّ انه اصبح بعد ذلك لباس كل طبقات المجتمع من دون استثناء، وشكل في كل انحاء العالم السلعة الاكثر مبيعاً منذ اواخر القرن الماضي واوائل القرن الحالي.