العدد 3229
الخميس 17 أغسطس 2017
banner
ولادة غد سوري
الخميس 17 أغسطس 2017

قبل أسبوع تقريبا، كتبت على صفحتي في الفيسبوك عن الحراك السوري، قصد أن أختبر ردود الفعل قبل كتابة هذا المقال. ولم أجد من الردود ما يمكن أن يغير قناعتي الأساسية.

إذ إن الحراك السوري صعد إلى الأجواء صعود الطائرات الحربية، بدأت قصصا صغيرة، ما لبثت أن جرحت جدار الخزان الممتلئ على مدى السنين والعقود بالكثير من الخزي والقهر والقمع وما يشبه العزلة على العالم، وعانى شعبها الكثير، فانفتح الجرح واستنهضت المواجع التي ما هدأت يوماً، ولكن أكسجين الحرية لفحها، فتفاعلت معه، وصارت تطلعات قسم من الشعب السوري كبيرة في أن يغيّروا الحكم، ويسترجعوا كرامتهم، وينالوا حريتهم، ويرفعوا رؤوسهم بكل أنفة وعزة نفس... إلى هنا كان الحراك السوري في نقائه وعفويته ووطنيته.

ولكن الأوطان كالأبدان، ما أن تضعف حتى تهاجمها الأمراض من كل صوب، فتدخّل في الأمر كل متدخّل، وبدت الساحة السورية مفتوحة للمغامرات، وصار الجيش الحر المناهض للجيش الرسمي تائهاً وسط عديد الفرق والألوية والجيوش والبيارق، ودخلت الجرثومة الجديدة المسماة “تنظيم الدولة الإسلامية” التي لم تحارب إلا الجيوش نفسها التي تحارب الجيش النظامي، والتهت التنظيمات ببعضها البعض. واستيقظت الدول والطوائف والعرقيات والإثنيات والمذهبيات من خارج سورية، وأيقظت النعرات، وصارت تغذّي وتزوّد وتعد كل فصيل بالنصر المؤزَّر والفتح المبين، يتبدّى حطب الحرب في دول مرّة، وفي جمعيات مرة، وفي تشكيلات عسكرية مرة، إلى أن انتهت مدن سورية بالمرّة.

الدَّك والهدّ صار مسابقة بين النظام وأعدائه، تغوّل الجميع، وتحول الاختطاف إلى مهنة، والتهريب الذي كان يتم في نطاق صار بلا نطاق وانفتحت الحدود على جيش تنظيم الدولة الإسلامية الغادي والرائح بين العراق والشام عميت عنه الأقمار الاصطناعية وطائرات التجسس التي تسوّي نفقاً بما فوقه إن اختبئ فيه مطلوب، ولكنها لا تر آلاف المسلحين في الصحراء يتنقلون، ذلك لأن مهمتهم لم تتم، والمتفق عليه بين الأنظمة المصنّعة لهم لم يصل منتهاه.

لم تفز الثورة في مسعاها، فتشتت وضعفت والتهت بحربها للغير، أو حرب الغير لها، وبقي النظام في مأمن. النظام الذي ارتمى متمرّغا في أحضان الروس لحمايته من انهيار كان قاب أقواس قليلة، نفش ريشه وازدادت ضراوته عندما علم أن للكرسي جيشٌ روسي يحميه، وهو إن فاز وبسط الحل الأمني، سنعود للقول، كما في كل أمر مشابه: الحل الأمني ليس إلا مسكّن ومخوّف، ولكنه ليس هو الحل.

ليس أسوأ من وضع الـ “نص/نص”، الأسوأ إن طال هذا الوضع، الذي لا يمكن أن تسير به أمور البلاد الخربة في أهم وأكبر مدنها، ولا تسير به أمور العباد الذين فاقوا الخمسة ملايين من الذين هاجروا أو هجّروا من ديارهم وأخرجوا منها. فكان لا بد أن تتوقف الحرب لتدور العجلة مجدداً، لتعود سورية للسوريين وليس للدخلاء وللداخلين والخارجين منها والمتبجحين والمستقوين بالخارج، ليعود السوريون من شتات الأرض إلى وحدة الأرض وتماسكها.. آن لكل من وقف مع النظام أن يفرح لنظامه ويشعر بثقل هزيمته في أهله، ولكل من ناهض النظام أن يمتلئ بالفخر لأنه حاول جهده لسنوات ولم ينجح.

كل الحروب تنتهي على طاولة كتابة شروط الاستسلام مع المرارة في حلق المنهزم ولكن لابد لتنهض البيوت والمزارع والمدارس والزوايا معاً بدلاً من الركام المجمع هنا وهناك، ولا بد أن يعود الطلبة إلى مقاعدهم، والنسوة القديمات إلى ما كنّ يمارسنه في النهارات الطيبة منذ مئات السنين.. حتى نلقاكم في ثورة أخرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .