العدد 3236
الخميس 24 أغسطس 2017
banner
فيتامينات لا غنى عنها
الخميس 24 أغسطس 2017

هناك مواد إعلامية كثيرة ومفيدة تمر عليك، أو تمر عليها، وتحدث نفسك بالاحتفاظ بها للرجوع إليها، وتكتشف أن أمراً صغيراً أبعدك عن حفظها للحفظة فتسربت، أو أنك حفظتها فعلا ولا تدري أين، ولكن في كل الأحوال لا تقلق، فالكثير من هذه المواد لا تلبث أن تأخذ دورتها وتعود للانتشار من جديد وكأنها ابنة الآن.

من هذه المواد ما قاله جيمس ريسموند، المتخصص في علوم التربية والعائلة، أن أهم الفيتامينات التي يجب أن تعطى للأطفال هو فيتامين “لا”، وذلك حتى لا يكبروا وهم يشعرون بعدم الامتنان، وعدم تقدير الأمور، والأنانية، والشعور الطاغي بأن من حقهم الحصول على ما يريدون، وأن من واجب الغير (الأبوان أولاً، ثم المجتمع بأسره) أن يعمل دائماً على تلبية رغباتهم، حتى يصطدم الأطفال بالواقع، وتحدث الانتكاسات والارتدادات والخيبات العميقة والتقوقع على الذات وربما الكآبة وما تجره من ويلات نفسية تتفاقم.

أشعر في أحيان كثيرة أن المجتمع هو أيضاً كائن، لا بد من القول “لا” له، وبحساب، حتى لا يقال له “لا” إلى أن يجف ويغدو متشوفاً لمن يروي جفافه العاطفي والنفسي والمادي أيضاً. ولكن أيضاً، لا يمكن تلبية كل ما يريده ويتمناه ويطلبه، لأن المسألة لن تقف عند حد، وكما الوالدين المفرطين في دلال أبنائهما، فإن المؤسسة القائمة على المجتمع ستكون تحت الاختبار نفسه، والتحدي نفسه: إلى متى ستستمر في توفير الحمائية الدلال المفرط؟!

كذلك المؤسسات الرسمية، على كافة مستوياتها وتخصصاتها، والتي تفترض من الناس أن يستمروا في قول “نعم” إلى ما لا نهاية، ومن دون تفكير، ومن هؤلاء الناس من يظهر ليقولب الـ “نعم”، ويشرعنها، ويمنحها كل الطاقة والمسوغات لتكون هي الأساس في علاقة المواطن بوطنه، في حين أن الأمر شبيه جداً، وإلى حد كبير، بالوالدية.

قولا “لا” هنا ليس كراهية أو عداوة، ولا حقد أو حسدٌ كما يحلو للبعض أن يستريحوا لهذا التفسير، وللنتيجة الضحلة التي يصلون إليها لتفسير قول البعض “لا” أمام طوفان “النعَمات”، ولا هي “خالف... تُعرف” كما يظن البعض، لأنها أمر طبيعي، وعلينا تقبله. بل سيكون من المريب حقاً أن يوافق الجميع على كل شيء، ومن دون استثناء، والداعي للريبة أكثر وأكثر أن ينفرز من هذه الجموع من يضفي المبررات على هذه الموافقة العامة، بل ويلمز من قناة في وطنية من لا يسير على النهج نفسه.

قول “لا” في مكانها، ووقتها، أمر صحي، وصارت الكثير من النصائح الاجتماعية والنفسية، تدعو إليه، وتحبذه، فالمجاملات تأتي على حساب طاقة الفرد، وقدرته، ووقته، وأعصابه، وأولوياته، ولكن هذا لا يقارن بلو قالها في شأن عام ليجعل النهر يتريث قليلاً، والجماهير تتفكر بعض الشيء، لتصدق ثنائية “الأوطان/ الأبدان”، فالاثنان يحتاجان جرعات من الـ “لا” حتى تنمو صحيحة معافاة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية