العدد 3236
الخميس 24 أغسطس 2017
banner
من قال إنهم مشركون؟
الخميس 24 أغسطس 2017

“المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص...” و “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد...”، حديثان عن النبي حفظناهما جميعا عن ظهر قلب في مدارسنا وكنا آنذاك لا نتجاوز العاشرة وكنا نفخر بالجهر بهما وتسميعه لوالدينا وأصدقائنا.

لكن ما الذي حدث فجأة ونسف كل هذه الأحاديث المتواترة في أوساطنا كمسلمين وجعلنا من النطيحة والمتردية قدوة لنا يحكمون مصائرنا وفقا لأهوائهم المريضة.

قبل أسبوع أو ما يزيد حدثت سلسلة جرائم إرهابية في بلاد يحلو لبعضهم الآثم تسميتها بـ “بلاد الشرك”، كان أبرزها هجوم برشلونة الذي خلّف ضحايا من مختلف الجنسيات والديانات والأعراق.

وكعادتهم، هبّ جميع من يعتبرهم بعض القوم أنهم من الفسقة والمشركين، هبة رجل واحد وراحوا يعلنون تضامنهم مع الضحايا والمصابين وأسرهم، بل ذهبوا الى أكثر من ذلك حينما أعلنت دول أوربية أفرادا وحكومات جمعها تبرعات لهم وكأنهم يمتثلون لما أوصانه به الرسول في الحديثين الآنفين ذكرهما.

لم ينبش هؤلاء الأشخاص الذين فزعوا دون هوادة في معرفة دين الضحية ولم يستغرقوا وقتا في التفتيش عن الملة التي يعتنقونها، ببساطة انهم توقفوا عن الحكم على الناس والعباد وفقا لمعتقداتهم وإثنياتهم رغم أن الضحايا قد يكون بينهم الملحد والمسيحي والعلماني والمسلم والهندوسي ... والخ من هذه المسميات.

فزعوا لأنهم ببساطة تجردوا من تكفير الآخر وراح يتكافلون فيما بينهم لأنهم أخوة في الوطن والإنسانية، باترين “زناد الكراهية” من قواميسهم، وزارعين أكليل من التسامح في نفوسهم.

فزعوا لأنهم تحرروا من ثقافة التشمت بالموت والدعاء على الآخر “الزنديق” بالهلاك والفناء، متيقنين أن الاختلاف الديني والاجتماعي والعرقي من مسلمات الحياة الجميلة، وأن اعتناق أي دين سماوي مغاير بمثابة وردة احتضنتها حديقة اتسع ترابها وحضنها “الأمومي” لأصناف أخرى من الورود.

فزعوا فيما بينهم لأنهم يعتبرون أنفسهم أكبر من أي قوى تريد النيل من إنسانيتهم وتجريدهم من حق الحياة التي لا تحلو إلا بوجود النقيض.

علمونا يا أصحاب العين الزرق والشعر الأشقر كيف نصبح مثلكم بشرا في تعاطينا مع الآخر وأن نكون أخلاقيين ليوم واحد، علمونا يا أهل “الفسوق” و “الفجور”، ينابيع الطهر في احتضانكم لبعضكم وأن تقوّموا الدنيا ولا تقعدوها تضامنا مع الدم المهدور الذي لا يعرف حرمته سواكم ... علمونا يا أيها المؤمنون الجدد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية