العدد 3238
السبت 26 أغسطس 2017
banner
حماية المرأة مسؤولية وطنية
السبت 26 أغسطس 2017

بعد جدال سياسي واجتماعي وتشريعي واسع في المملكة الأردنية الهاشمية حول معاقبة المغتصب للمرأة أو عدمه لو تزوج منها، فقد أقرت الحكومة الأردنية تعديلاً قانونيًّا جديدًا يُعاقب المغتصب للمرأة حتى لو أراد الزواج من ضحيته. وبهذا القانون فإن العدل الأردني انتصر للمرأة ولن يسمح للمعتدي بالإفلات من العقاب. وجاء هذا القرار العدلي بإلغاء المادة (308) من قانون العقوبات الأردني بعد حملة قوية ضد القانون السابق الذي كان (يحمي المُعتدي من العقاب لو أراد التزوج من الضحية) قادها ناشطون سياسيون وحقوقيون وفي مجال المرأة وشيوخ دين وكثيرون ممن كانوا ضد القانون السابق.

إن المادة القانونية السابقة (308) كانت الغطاء الذي تأذت فيه الكثير من النساء الأردنيات وأجحفت حقوقهن، بحيث يتم إجبارهن من قبل أسرهن أو بالقانون بالتزوج من الشخص الذي اعتدى عليهن حماية كما يدعون لشرف الأسرة أو العشيرة. ولم يكن هذا العقاب رادعًا للمعتدي في الوقت الذي يُمكنه من الإفلات من عهد الزواج بعد ذلك وتكرار فعلته ثانية وثالثة ما دامت هذه المادة تحميه من العقاب. وكان من الأجدر أن تكون هذه المادة القانونية حامية للمرأة ولشرفها ولكرامتها وليس للمعتدي الآثم. ومنذُ سنوات كانت هناك العديد من الحملات النسوية المُطالبة بحقوقهن النسوية والاجتماعية والقانونية ومن بينها إلغاء هذه المادة. عِلمًا بأن هناك العديد من قضايا الاغتصاب لا تصل للشرطة والمحاكم بدافع الحفاظ على سمعة العائلة والعشيرة، وقد يتم قتل المُعتدى عليها من قبل أهلها بدافع الشرف!! وقد سبقت الأردن الجمهورية التونسية في ذلك في أواخر شهر يونيو 2017م بإلغاء أحكام الفصل (227) مُكرر من المجلة الجزائية الذي يقضي بإيقاف التبعات ضد المُغتصب الذي يتزوج بضحيته على إثر مطالبة المجتمع المدني التونسي الذي يُضاعف الضرر على ضحايا الاغتصاب.

إن إلغاء مثل هذه القوانين الضارة بالنساء والحامية للمعتدين عليهن وإنزال أشد العقوبات بحقهم هو مطلب إنساني وحقوقي واجتماعي وشرعي وتشريعي في جميع البلدان، فالذي يقوم بالاعتداء على امرأةٍ واحدة ويفلت من العقاب يعتدي على أخرى وأخرى. ومثل هذه القوانين والمواد لا تحمي المرأة ولا المجتمع ولا الأسرة، بل هي مواد تُشرع لممارسة العنف ضد المرأة المُغتصبة ومن ثم تجعلها ضحية للمرة الثانية عندما يَسفك أهلها دمها تحت ذريعة الشرف!! والهرب من الفضيحة!! كما أن محو هذه المواد من سجلات القانون يحمي القاصرات ويمنع تزويجهن ورعايتهن والحفاظ على كرامتهن وإنسانيتهن.

إن الأمم التي تبتغي الرأفة بمواطنيها وحماية حقوقهم من العبث وتحقيق سلامتهم الجسدية تسن التشريعات الهادفة لذلك، وتلتزم بالمواثيق الدولية المُتعلقة بحقوق الإنسان والحامية لحقوق المرأة وإنسانيتها وكرامتها، فإنسانية المرأة من إنسانية مواطنيها وكرامتها من كرامة مجتمعها الذي تعيشُ فيه. فأي قرار يكون فيه انتصارًا للمرأة ولحقوقها ولحريتها هو مكسب لجميع المواطنين ويُضاف إلى سجلات مكاسب المجتمع. ولا شك بأن الدول التي تقوم بإلغاء أي مادة لا يتم بموجبها مُعاقبة المُعتدي على المرأة ستساهم كثيرًا في خفض معدلات مثل هذه الجريمة.

وكم يسعدنا كثيرًا أن تقوم الدول بسن تشريعات وقوانين تحمي المرأة وتساند حقوقها، فالمرأة جزء لا يتجزأ من أي مجتمع، وحقوقها من حقوق أفراد المجتمع، وسلامتها تعني سلامة المجتمع. وعلى الدول أن تجسد المواد الدستورية التي تؤكد بقانونية المساواة بين الرجل والمرأة وفي الحقوق والواجبات إلى واقع وفِعل حتمي. فحماية المرأة مسئولية وطنية، ولابد وأن تتحمل الدولة ومؤسساتها والمجتمع وأفراده عبء هذه المسئولية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية