العدد 3241
الثلاثاء 29 أغسطس 2017
banner
الخوف من مرحلة ما بعد “داعش”
الثلاثاء 29 أغسطس 2017

معركة تلعفر أصبحت محسومة لصالح القوات العراقية، وهي آخر المطاف في سفر معارك تحرير مدن محافظة نينوى 450 كلم شمال بغداد، وتخليصها من تنظيم داعش الذي بسط سيطرته عليها منذ العاشر من حزيران 2014،فيما أطلق عليه العراقيون بيوم “النكبة الكبرى” باحتلال الموصل وتمدده في باقي الأراضي العراقية وقتل البشر وتدمير الأماكن الحضارية والبنى الارتكازية.

ولكن ماذا بعد تحرير الموصل وتلعفر من تنظيم داعش؟ فالكثير من المحللين يعتقدون بأن ما بعد حسم معارك القوات العراقية مع داعش ستبدأ معركة أوسع وأخطر يشترك فيها أكثر من عدو وصديق، وتشتبك فيها إرادات عراقية بتوجه عربي كردي تركماني، وأجندات خارجية تتمثل بتركيا وايران وفصائل مسلحة منها حزب العمال الكردستاني المعارض في تركيا، وأحزاب كردية سورية وعراقية متعددة الولاءات والاهداف وبمشاركة أميركية خفية وناعمة مدمرة، وحرب الأجندات هذه هي الحرب التي يتخوف منها العراقيون وبعض الاطراف المعنية بالسلام في المنطقة لكونها ستكون مفتوحة وتعمل في منطقة ضيقة تمتد من الموصل باتجاه تلعفر حتى الحدود العراقية السورية غربا، وكذلك من الموصل باتجاه دهوك المطلة على الحدود مع تركيا، ولربما تنشب الحرب لمجرد الانتهاء من تحرير تلعفر ذات الموقع الاستراتيجي، الا في حال ملأت الحكومة العراقية هذا الفراغ بقوات مرغوب فيها وذات مهنية واحترافية عسكرية من قوات الجيش والشرطة تحظى بمقبولية شعبية لتفادي تكرار أسباب مأساة سقوط الموصل 2014، فضلا عن تحقيق السلام والاستقرار والمصالحة الوطنية في محافظة نينوى التي تحتضن مختلف مكونات العراق وأحزابها، وكونها تتمتع بأهمية تجارية كبيرة وتراثية عريقة ترجع إلى عهد الحضارة الآشورية.

فتركيا لا يمكن لها أن تسمح للكرد بالتمتع بالاستقلال مهما كلفها الأمر، وهي مستفزة في حقيقة الأمر بالوقت الحاضر من الدعم الخفي الذي تقدمه واشنطن لاجل تحقيق استقلال الشريط الحدودي الممتد من ايران مرورا بالعراق وتركيا حتى سوريا، وإعلان الدولة الكردية. وهذا الأمر فرض على حكومة أنقرة التنسيق على صعيد دبلوماسي وسياسي وعسكري رفيع المستوى مع إيران عدو الأمس والمنافس العنيد لها في العراق، لوقف عملية الاستقلال الكردي عن الدولة العراقية وهي الأخرى ترفض وبشدة الاستقلال الكردي ضمن دولة، وقد أبلغت كل من انقرة وطهران حكومة الاقليم الكردي بالعراق خلال الاسابيع الماضية رفضهما مشروع الاستقلال، وباعتقادنا ان ايران هي الاخرى لن تتخلى عن طموحها بفتح طريق يربط طهران عبر الاراضي العراقية بسوريا ولبنان، وستزج قوات موالية لها في هذه المناطق للتمدد الحيوي، ولكي تخلق توازن مع التواجد العسكري التركي في بعشيقة شمال العراق، وعلى هذا الاساس يراد ان يبقى العراق ساحة تصفيات ليس إلا، ولن تسمح له الصراعات الدولية والأقليمية ان ينعم بسلام وأمان لطالما ما يزال ضعيفا.

إن طبيعة هذه الصراعات التي أصبحت الأراضي العراقية مجالا لتنفيذها، جميعا تدار ان لم تكن بتخطيط أميركي فأنها تأتي ضمن الاشراف والرعاية الأميركية في غاية أساسية تتجسد بحصر هذه النزاعات في بؤرة ضيقة تكون هي الراعي لها والمحرك لأدواتها، والشاهد على قتل ابناء هذه الاطراف المتصارعة في هذه المقبرة، بل وبسلاحها الذي تبيعه بأثمن الأسعار، حسب المعادلة الاقتصادية “كلما نشبت الحروب زاد الطلب وارتفعت أسعار البنادق والمدافع ونشط تجار الحروب”، وباعتقادنا ان الولايات المتحدة ستصنع حدثا كبيرا في مناطق شمال العراق، وضمن المنطقة المحصورة في المثلث العراقي التركي السوري، وفي حال لم تصنع أميركا الحدث، فإنها ستوظف ما تركته طبيعة التواجد لتنظيم داعش في نينوى طوال ثلاث سنوات من آثار سلبية على صعيد محلي ودولي لصالحها والقيام بلعبة خبيثة خطرة على أمن العراق واستقلاله، لذلك فأن الوضع مخيف بعد طوي مرحلة داعش، ما لم تستدرك حكومة بغداد الخطر وتعالج بدبلوماسية ذكية وبتوازنات يلعب فيها الاقتصاد دورا ايجابيا لتهدئة الاوضاع. واستثمار الإقبال والحراك السياسي الدولي على بغداد بعد تحرير أراضيه ومدنه.

أكاديمي وإعلامي عراقيالخوف من مرحلة ما بعد “داعش”

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية