العدد 3243
الخميس 31 أغسطس 2017
banner
عن العيد وصناعة الفرح
الخميس 31 أغسطس 2017

يأتي العيد والقلوب تهفو إلى لقائه وإلى معانقة لحظات الفرح والبهجة التي ترافقه دائمًا. كم كنا نتمنى لو تطول تلك اللحظات بامتداد أيام العام وألا تقتصر فقط على يوم أو يومين سرعان ما تغادرنا وتتسرّب بين أصابعنا دون أن نشعر بها. ونحن ننتظر قدوم هذا العيد فإننا بحاجة إلى وقفة مصارحة مع النفس قليلاً ومحاورتها لماذا تواصلنا مع الأقارب والأصدقاء أصبح منحصرًا على بضعة أيام؟

ليس في نيتنا أن نعكّر الفرحة على أحد، فقناعتنا أنّ طبيعة مجتمعنا لا تتقبل حديث المصارحة بروح رياضية ومتسامحة. فرغم تظاهرنا بالتدين والذي من سماته صلة الأرحام والأقارب إلاّ أنّ الأغلبية الساحقة منا باتت تنفر من إقامة علاقات اجتماعية مع أقرب الناس فضلاً عن الآخرين. أليس مخجلاً أن يكتفي الأغلبية بتبادل التهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالواتس اب وغيرها؟ المؤسف أنّ المعايدات أصبحت باردة لا روح فيها على عكس ما كان يحفل به الزمن القديم من نكهة وطعم لا يبارح الذاكرة. افتقدنا الدفء العائلي والترابط الأسري إلاّ في حالات نادرة جدًّا. ألا تنذر مثل هذه العادات الجديدة بتفكك شمل العائلة وتشتتها؟

ليس هناك من يختلف بأنّ المعايدات بالرسائل الإلكترونية باتت أكبر مهدّد لما درج عليه جيل الآباء والأجداد من صلات التلاحم والتراحم،  وهي أشدّ خطرًا على الأطفال الذين يجب أن نزرع في نفوسهم أهمية الترابط بين أفراد الأسرة. ورغم ادعائنا بأننا كائنات مدنية الطبع ولا حياة للفرد إلا بالآخر إلا أنّ الواقع يدحض هذا تمامًا.

إنّ أجمل قيمة للعيد هي صناعة الفرح. والفرح ليس هو كلمات ندبجها ولا هو جملاً إنشائية نسطرّها ولا هو طقوسًا وابتسامات شمعية نرسمها على الشفاه سرعان ما تتلاشى لكنّ الفرح ببساطة يعني أن نقسم الرغيف إلى نصفين نصفه الأول لغيرنا ونصفه الثاني لنا. والفرحة أجمل عندما نتشاركها مع الآخرين وعظمة الإنسان تقاس بقدرته على العطاء ولا معنى للفرح إلاّ بكونه عطاءً بلا حدود، وهذا ما يجب أن يتجلّى ليس في العيد فحسب بل طوال أيام العام. إنّ العظماء من الناس هم من يجدون المتعة في تقاسم الفرح مع البسطاء من الناس وبلا مقابل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية