العدد 3249
الأربعاء 06 سبتمبر 2017
banner
تغيرت الفرجان ومعها الوجوه والضحكات
الأربعاء 06 سبتمبر 2017

حدثني أحد الأطباء الشهيرين قبل أيام بغضب وسخط كبيرين عن هبوط السعر السوقي لمنزله بمنطقة البحير وبنسبة لا تقل عن 60 %، وبعد أن استغرق بناؤه أعواماً طويلة من الجهد والمال والوقت، بقوله “بنيت حلماً جميلاً، لأراه فجأة يتهاوى على الأرض”.

تساءلت عن ذلك متعجباً، خصوصاً وأن أسعار العقارات والأراضي بارتفاع مستمر، فأجاب بحنق “السبب يكمن بالعمارات العشوائية، والتي حوطت بيتي من كل الجوانب، فأصبح منزلي الأبيض شاذاً، وحيداً، متأففا بينها، وهو ما أفقد أفراد أسرتي كل الخصوصية التي يمكنك أن تتصورها، وهم يرون عشرات الأعين تحملق للمنزل ولحديقته بفضول، وبأغلب الوقت”.

ويضيف “ست عمارات تحوط المنزل اليوم، كديناصورات عملاقة، ومن كل الجوانب، عمارات لم يكن لها أثر قبل خمسة أعوام فقط، سكانها من العزاب، والآسيويين، والذين يكتظون بشققها الصغيرة اكتظاظاً، ناهيك عن رتل السيارات التي أغرقت الحي، وما تخلفه من فوضى يومية، وازدحام مروري، وتضييق دائم على المواقف، والمنافذ، وتوسيخ للشوارع”.

ويعتدل الطبيب بجلسته، قبل أن يقول “نعيش جميعاً حالة يومية من الضيق، والحرمان من الراحة، وعليه فقد أضحى خيار بيع البيت مطروحاً على طاولة النقاش الجاد، فاستقرار أسرتي هو الغاية والمنى، وليس المسكن”.

وفي سياق حديث الطبيب، قمت عصر يوم أمس بجولة ميدانية لعدد من الأحياء في الرفاع الشرقي والبحير والحجيات، حيث بدت لي الكثير الفلل السكنية محرومة من المزايا التكميلية المحيطة بها، كالهدوء، والمساحات المفتوحة، والنظافة، والتي تتصادم بواقعها المبتور مع تعاظم أعداد العمارات السكنية، وتفاقم أرتال السيارات التي أغرقت المكان، وأفقدته جماليته.

وتخلف هذه المشاهدات المؤسفة، واقعاً مريراً، ينتهي فصله الأخير بنزوح الأهالي من مناطقهم، إلى مناطق أخرى جديدة؛ بحثاً عن الاستقرار، والطمأنينة، والأمن لأطفالهم.

واقع تكرر بالعديد من الأحياء المحرقية، والرفاعية، والمنامية، وغيرها، حيث تغيرت الفرجان، وتغيرت مساكنها، وأصحابها، وهوياتها، وضحكات قاطنيها، لتحل مكانها وجوه أخرى لا ترتبط بهوية البلد، ولا بنسيجه الاجتماعي، وعاداته من شيء.

وهو ما يدفعنا للتساؤل مرة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة، متى سيظل الحال كما هو عليه؟ ومن سيقف بشجاعة أمام هذا التدمير اليومي للهوية وللفريج وللبلد، ولأهل البلد؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .