+A
A-

إلغاء قرار بوقف موظف عن العمل لعدم اتباع الإدارة للقانون لإصداره

ألغت محكمة الاستئناف العليا المدنية الثانية حكمًا مستأنفًا كان يقضي برفض دعوى مشرف بلاغات الهروب في هيئة تنظيم سوق العمل، كان يطالب بإلغاء قرار إيقافه عن العمل لمدة 10 أيام مع الخصم من راتبه؛ وذلك لأنه وبصفته مشرف في هيئة تنظيم سوق العمل، تم التحقيق معه بشأن استخدامه لكلمات غير لائقة ومهينة، فضلاً والتصرّف خلافًا لمقتضيات الوظيفة العامة.

وقضت محكمة الاستئناف مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه، والصادر بمجازاة المستأنف بالتوقيف عن العمل والراتب، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت ديوان الخدمة المدنية وهيئة تنظيم سوق العمل بمصروفات الدعوى عن درجتي التقاضي.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها بإلغاء قرار وقف الموظف عن العمل والراتب أن المستأنف ولأن قضاء محكمة أول درجة لم يلق قبولاً لديه، فقد طعن عليه بالاستئناف الماثل؛ ابتغاء الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار الصادر بإيقافه عن العمل 10 أيام، وخصم راتبه عن هذه الفترة، وإلغاء جميع الآثار المترتبة على ذلك، وبإلزام المستأنف ضدهما بالرسوم والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.

وذكر المستأنف في دفاعه أمام محكمة الاستئناف أسبابًا تدعم طلباته، حاصلها مخالفة مصدر القرار للقانون والخطأ في تطبيقه؛ وذلك لعدم إخطار المستأنف بإحالته لمجلس التأديب ولبطلان إجراءات التحقيق، لإخلاله بحق الدفاع وبمبدأ المواجهة ومبدأ حِيْدَة المحقِّق بالمخالفة لحكم المادتين 232 و233 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، فضلاً عن سقوط الحق في مسألة المستأنف تأديبيًا وفقًا لحكم المادة 219 من قانون الخدمة المدنية.

وأشارت المحكمة أن مفاد تلك المواد التي استند إليها المستأنف، أن كل موظف يخالف أحكام القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة، يُجازى تأديبيًا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحيق دفاعه، ويجب أن يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مسببًا على أنه في حالة إذا ما جاءت توصية لجنة التحقيق المشكلة للتحقيق مع الموظف المخالف بتوقيع عقوبة الفصل عليه، فإنه يتعين في هذه الحالة إحالته من الجهة المختصة إلى مجلس تأديب، والذي يشكل بقرار من رئيس ديوان الخدمة المدنية، وكذلك إتباع مجلس التأديب الإجراءات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، وهو ما يتبين منه أن ما قرره المشرع في هذا الشأن هي إجراءات جوهرية تقتضيها المصلحة العامة ومصلحة الموظف على السواء، ويترتب على عدم اتباعها تفويت ضمانة المشرع للموظف، ومن ثم بطلان القرار الصادر دون اتباعها.

وأضافت وحيث أنه إعمالاً لما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية قد نسبت إلى المستأنف وهو يشغل وظيفة مشرف التفتيش لدى هيئة تنظيم سوق العمل، مخالفات استخدام كلمات بذيئة ومهينة، والتصرف خلافًا لمقتضيات الوظيفة العامة، والنيل من كرامتها.

وبناءً على ذلك أجرَت الجهة الإدارية تحقيقًا مع المستأنف بمعرفة لجنة التحقيق المُشَكَّلَة لهذا الغرض بموجب قرار إداري بتاريخ 12/5/2011، وانتهت هذه اللجنة إلى ثبوت ارتكابه للمخالفات المنسوبة إليه، وأوصت بمجازاته بعقوبة الفصل من الخدمة، وبناءً عليه صدر قرار من قبل رئيس ديوان الخدمة المدنية بتشكيل مجلس تأديب بحق المستأنف حيث صدر قرار المجلس بجلسة 20/11/2011 بوقفه عن العمل لمدة 10 أيام مع خصم راتبه عن هذه الفترة.

ولفتت إلى أنه متى كان ما تقدم، وكانت المحكمة كلَّفَت المستأنف ضدهما بجلسة 22/12/2015 بتقديم ما يفيد إخطار المستأنف بقرار إحالته لمجلس تأديب، وفقًا لحكم المادة 232 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، المشار إليها، وتكرّر التأجيل لذات السبب، إلا أن المستأنف ضدهما لم يُقدما ما يفيد إخطار المستأنف بقرار إحالته لمجلس التأديب على النحو المتطلَّب قانونًا؛ وذلك ليتمكن من المثول أمام مجلس التأديب وتقديم دفاعه.

وتابعت، ومن ثم فإن الأوراق خَلَت من إخطار المستأنف بقرار إحالته لمجلس التأديب، وهي ضمانة جوهرية يترتب على إغفالها بطلان قرار الجزاء الصادر من مجلس التأديب، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه قد صدر دون اتباع الإجراءات القانونية المقررة مخالفًا بذلك صحيح حكم القانون حريًا بالإلغاء.

ولا ينال من ذلك أن المستأنف تم التحقيق معه بمعرفة لجنة التحقيق المشكلة في الجهة الإدارية، والتي انتهت إلى التوصية بفصله من الخدمة إذ أن المشرِّع تطلَّب بموجب نص المادتين 232 و233 من اللائحة المذكورة إعادة إجراءات التحقيق أمام مجلس التأديب؛ ليتمكن المُحال لمجلس التأديب من تقديم دفاعه وشهوده أمام مجلس تأديب مُشَكَّل خارج جهة عمله.

وأفادت أنه لا ينال مما تقدم أن مجلس التأديب خفَّفَ عقوبة المستأنف من الفصل إلى الوقف عن العمل والراتب لمدة 10 أيام،  إذ أن ما صدر عن لجة التحقيق المشكلة في الجهة الإدارية هو مجرّد توصية بالفصل، وليست قرارًا، وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر وقضى برفض الدعوى، فإنه يكون جديرًا بالإلغاء.

وانتهت المحكمة بعد مداولة القضية مع تلك الأدلة إلى الحكم بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه والصادر بمجازاة المستأنف بالتوقيف عن العمل والراتب لمدة 10 أيام، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وقررت أنه بشأن المصاريف فإنها تُلزِم بها المستأنف ضدهما (ديوان الخدمة المدنية وهيئة تنظيم سوق العمل) عن درجتي التقاضي؛ عملاً بالمادة 192/1 من قانون المرافعات، كما ألزمت المستأنف ضدهما بمبلغ 50 دينار مقابل أتعاب المحاماة.

الجدير بالذكر أنه بجلسة 28/10/2014 قضت في وقت سابق محكمة أول درجة برفض دعوى الموظف المستأنف وألزمته بالمصروفات.

وذكرت أول درجة إن وقائع الدعوى تتحصل فيما أورده المدعي -المستأنف- بلائحة دعواه، من أنه يشغل وظيفة مشرف لدى هيئة تنظيم سوق العمل اعتبارًا من 24/4/2007، وقد أبلغته الهيئة بتاريخ 13/7/2011 بوجوب مثوله أمام لجنة التحقيق بتاريخ 19/7/2011 للتحقيق معه في المخالفات المنسوبة إليه.

وبتاريخ 1/12/2011 تم إخطاره بالقرار المطعون عليه بوقفه عن العمل لمدة 10 أيام اعتبارًا من 20/12/2011 مع خصم الراتب خلال هذه الفترة.

وأوضح المدعي في لائحته أن لجنة التحقيق لم تُمَكِّنهُ من الدفاع عن نفسه والاستماع إلى شهود الادعاء ومناقشتهم وجلب شهود الدفاع ومناقشتهم -على الرغم من طلبه ذلك- بالمخالفة للمادة 221 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، وقد تظلَّمَ من هذا القرار ولكن دون جدوى، ما حدا به إلى إقامة الدعوى الماثلة بغية الحكم له بالآتي:

أولاً: بقبول إدخال هيئة تنظيم سوق العمل خصمًا في الدعوى.

ثانيًا: وقبل الفصل في الموضوع: بضم الملف الوظيفي للمدعي إلى ملف الدعوى.

ثالثًا: وفى الموضوع: بإلغاء القرار الصادر بإيقافه عن العمل 10 أيام وخصم راتبه عن هذه الفترة وإلغاء جميع الآثار المترتبة على ذلك، وبإلزام المدعى عليه والمدعى عليها المدخلة -المستأنف ضدهما- بالرسوم والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وقدّم المدعي نسخةً من إخطار هيئة تنظيم سوق العمل للمدعى بإحالته إلى لجنة التحقيق ووجوب مثوله أمامها بتاريخ 19/7/2011، وإخطار الهيئة للمدعي بالقرار بوقفه عن العمل لمدة 10 أيام بدءً من 20/12/2011 مع خصم راتبه عن هذه الفترة، والتظلم من القرار.

وحضر أمام محكمة أول درجة ممثل  الجهتين الإداريتين -جهاز قضايا الدولة- وقدّم مذكرتي دفاع بالرد على الدعوى وحافظة مستندات من بين ما طويت عليه نسخة من محاضر التحقيق مع المدعي، ونسخة من قرار مجلس التأديب المطعون عليه، ونسخة من القرار رقم 138 لسنة 2011 بتشكيل مجلس التأديب، كما حضر وكيل المدعي وقدم مذكرتين بالرد علي دفاع جهة الإدارة. 

وأشارت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أن المستقر عليه أن الموظف العام مطالب في نطاق أعمال وظيفته وخارجها أن ينأ بنفسه عن مَوَاطِن الرَيْب والشبهات وعن التصرفات التي تمس كرامة الوظيفة فأي مسلك ينطوي على تهاون أو عدم اكتراث أو عبث ترتد آثاره على كرامة الوظيفة إنما يشكل ذنبًا إداريًا يستوجب المساءلة  التأديبية.

وأضافت وحيث أنه من المقرر أن إجراء التحقيق مع الموظف، بمواجهته بما هو منسوب إليه وسماع أقواله ودفاعه، يعد إجراءً جوهريًا يسبق القرار التأديبي؛ وذلك لتوفير الضمانات اللازمة للاطمئنان إلى صحة الوقائع المستوجبة للجزاء وتمكين القضاء من بسط رقابته على قيامها من عدمه.

ولما كان الثابت من الاطلاع على التحقيقات التي أجرتها الجهة الإدارية بمعرفة لجنة التحقيق المشكلة، ارتكاب المدعي للمخالفات المنسوبة إليه بشهادة مشرفين، الأمر الذي يثبت منه ارتكاب المدعي لما نسب إليه من مخالفات استخدام الكلمات البذيئة أو المهينة والتصرف غير المهذب وغير اللائق أو اللاأخلاقي، وإساءة التصرف داخل وخارج مجال العمل خلافًا لمقتضيات الوظيفة.

وتابعت، أنه وإذ انتهت لجنة التحقيق إلى ثبوت ارتكاب المدعي للمخالفات المنسوبة إليه وأوصت  بمجازاته بعقوبة الفصل من الخدمة، وبناءً عليه صدر قرار من رئيس ديوان الخدمة المدنية بتشكيل مجلس تأديب والذي انتهى في ضوء التحقيقات التي أٌجريت مع المدعي، إلى ثبوت ارتكاب المدعي للمخالفات المنسوبة إليه، إلا أنه ارتأى - نزولًا منه عند التوجيهات الملكية السامية في ذلك الوقت وما تضمنته من مرامي جليلة تستهدف المصلحة العليا للوطن - أن موجبات التخفيف قد توافرت في حق المدعي، ومن ثم فقد اكتفى - بما يملكه من سلطة تقديرية في هذا الشأن - بمجازاة المدعي بالتوقيف عن العمل والراتب لمدة 10 أيام، وبناءً عليه يكون القرار المطعون فيه قد صدر ممن يملك سلطة إصداره وفي حدود النصاب القانوني المقرر للسلطة الإدارية، متناسبًا مع ما اقترفه المدعي من مخالفة تأديبية، متفقًا وصحيح حكم القانون  بمنأى عن الإلغاء عند الطعن عليه، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

وعلى إثر ذلك قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى المرفوعة من المدعي -المستأنف- وألزمته بمصروفاتها، وهو ما لم يقبل به وطعن عليه بالاستئناف، فحكمت محكمة الاستئناف العليا المدنية الثانية بالحكم سالف البيان.