الاستثمار الحقيقي الذي يحفظ للأمم تفوقها والذي نرى نتائجه في أمم الغرب الصناعية، ونتطلع لتقليده أو اللحاق به، لم يبدأ من صرف الملايين دون خطة أو استراتيجية وطنية قائمة على الاستثمار في الإنسان قبل التفكير بتجارب عشوائية كما هو الحال في مشاريع تمكين التي قضت سنوات تهدر الأموال وتقتطع واحدا في المئة من جميع العاملين، ولا نعرف حجم هذه الأموال ولا مصدر إهدارها سوى ما نقرأه كل يوم من دعم لشركات وأفراد وتأسيس لمشاريع، حتى بلغ الأمر بأموال تمكين أن تذهب لمعارض ومهرجانات تقيمها الشركات والمؤسسات من غير جدوى سوى الإعلان عن هذه النشاطات، وأجزم أنه لن تصبح البحرين مثل ألمانيا أو السويد طالما استمرت مشاريعنا تجريبية كما الحال في ممتلكات وتمكين، وزادت عليهم فرمانات وزارة التجارة والصناعة! وبعض الخربشات من غرفة التجارة، هذه الدوامة ستستمر حتى ما لا نهاية، ولن نرى نتيجة سوى إهدار أموال عامة بلا جدوى، لأن الهدف ليس الاستثمار في الإنسان، وإلا رأينا خلال هذه السنوات من تجارب تمكين فطاحل في العلوم والتكنولوجيا والاختراعات.

أرجو ألا يؤخذ كلامي هنا على أنه استخفاف بمشروع وطني أو تهكم على مؤسسات رسمية، لأن الزمن الذي قضت فيه هذه المؤسسات التي جاءت فجأة بمجرد أن سمعنا عن شركة اسمها مكنزي تخطط لاقتصاد ومستقبل البلاد، حتى حلت اللعنة من يومها وتوقف الاستثمار في الإنسان وبدأ الاستثمار في التجارب، وإلا أخبروني كم مصنعا بحجم الحوض الجاف وألبا والبتروكيماويات أنشأنا منذ بدأت حقبة التجارب؟ كل ما فعلناه هو ضخ عشرين مليون دينار في ميزانية الدولة بعد كل هذه العقود من تجارب مكنزي “وايد علينا”.

إن الاستثمار الحقيقي هو ذلك الذي يصنع قاعدة تبدأ بالإنسان وتنتهي بالإنسان، هو الذي يفتح المصانع ويؤسس القواعد ويقيم المشاريع الناجحة والمدرة للأموال والأرباح، الإنسان عندما تتاح له فرصة العمل القائم على قواعد خارج التجارب كل يوم سيمثل الضمانة الحقيقية لمسيرة طويلة من النجاح تبدأ بخطوات ثابتة أساسها الإنسان البحريني لا استيراد العقول الحمراء والصفراء من الخارج، لا يعني ذلك الاستهانة بالخبرات ولكن لا نسلم أمرنا فقط للاستشارات المذلة التي تأتي وتذهب دون أن تترك بصمة في واقع حالنا، أخبروني كم حققت لنا هذه الاستشارات الخارجية من نتائج طوال هذه السنوات؟

عندما يتحدث مسؤول عن مستقبل الاستثمار في البحرين وشركته تستثمر في أماكن غير معروفة ولم نر جدوى من هذه الاستثمارات، ماذا تتوقعون النتيجة سوى إهدار مزيد من المال في وقت نحن فيه بحاجة لهذه الأموال كي نطور صناعة الإنسان قبل صناعة الكلام، فالكلام في الجرائد سهل لكن البنيان في الإنسان صعب.

تنويرة:

لا تلعب مع الآخر حين يكون على علم بلعبتك.