العدد 3300
الجمعة 27 أكتوبر 2017
banner
“شيخة البنائين”
الجمعة 27 أكتوبر 2017

هناك رواية تسمى «شيخ البنائين» وليس «شيخة البنائين» كما ذكرت في العنوان، ولكنني أستعير العنوان وأستخدم صيغة التأنيث هنا لضرورة معينة، فشيخ البنائين كما ورد في الرواية رجل لا يعترف بسنة الحياة في تعاقب الأجيال، حيث يشب الإنسان ويتعلم ويعيش فترة ازدهار ثم لا يلبث المنحنى أن يتجه إلى الأسفل فيضمحل وينتهي ويترك مكانه لغيره وفي كثير من الأحيان يحل محله تلميذ له وقد يتفوق عليه.

شيخ البنائين في هذه الرواية لم يعترف بهذه السنة الكونية وظل يكابر ويستأثر بشرف بناء أعلى نقطة في الكنيسة حتى صفعه الزمن صفعته القاتلة فخر على الأرض ولفظ أنفاسه الأخيرة، أما شيخة البنائين فهي شخصية أخترعها من خيالي لأرمز بها لكل امرأة تبوأت مكانا أو منصبا وقضت جل عمرها تدافع عن تلك المكانة التي تبوأتها أكثر من دفاعها عن أي شيء آخر، فهي تجتهد لكي تثبت لمن حولها، خصوصا الرجال منهم، أنها جاءت إلى الحياة كفلتة من فلتات الزمن، وأن من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يأتي الزمن بمثلها، فهي ظاهرة ما حدثت منذ آلاف القرون.

المشكلة فيها، أن شرها يقع على بنات حواء أكثر من ما يقع على الرجال، فهي ليست محكومة بصراع الأجيال والتشبث بالحياة والمكانة مثل شيخ البنائين، ولكنها محكومة بغيرة المرأة وكيد النساء، وهذا أمر غاية في السوء وغاية في الضرر على المجتمع كله، خصوصا إذا كان مجتمعا لا تزال المرأة تكافح من أجل إثبات وجودها وتفوقها فيه.

شيخة البنائين تظل تتصابى وترفض الاعتراف بالزمن وآثاره التي لا سبيل لإخفائها، خصوصا إذا كانت في ماضيها البعيد صاحبة جمال يساعد في إفساح الطريق نحو المجد الشخصي وغض الطرف عن الكثير من الأمور، ولكن وجه الشبه بين شيخة البنائين وبين شيخ البنائين في النهاية المحتومة أو في السقوط الأخير عندما تهوي هي الأخرى على الأرض ويتخلى عنها الجميع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية