+A
A-

اليوم ختام الحوار حول إعادة تأهيل المدن التاريخية

اختتمت اليوم في العاصمة الايطالية روما أعمال الدورة الثلاثين للجمعية العامة للمركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (إيكروم)، بعد ثلاثة أيام من النقاش والعروض التقديمية والاجتماعات بين المشاركين من 135 دولة من  الدول الأعضاء لمنظمة إيكروم.

ركزت أعمال الدورة الثلاثين للجمعية العامة لمنظمة إيكروم، التي أقيمت خلال الفترة من 29 تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى 1 كانون الأول/ ديسمبر 2017، على النهج المستدامة في عملية إعادة البناء للمدن التاريخية المدمرة أوالمتضررة، كما عملت كمنصة عالمية لمناقشة وإقرار التوجهات الاستراتيجية وخطة العمل للوكالة الثقافية التي تتخذ من روما مقرا لها، وانتخاب المجلس الذي يديرها، والموافقة على المدير العام الجديد الذي سوف يديرها لستة أعوام قادمة، وصياغة الدور المستقبلي لها.

بالإضافة إلى ذلك، تضمنت أعمال الدورة الثلاثين للجمعية العامة لمنظمة إيكروم العديد من النشاطات والفعاليات التي ساهمت في إغناء الحوار حول إعادة التأهيل، وإعادة الإعمار بعد الصراع للمدن التاريخية. وتضمنت تلك الفعاليات كل من معرض للقطع التراثية المسترجعة أو المصانة بعنوان "تدمر: النهوض من الدمار"، وهو برعاية جمعية إنكونترو دي سيفيلتا (لقاء الحضارة) وقيادة الشرطة لحماية التراث الثقافي (الكارابينيري)؛ ومعرض للصور في الأكاديمية المصرية في مدينة روما بعنوان "ماذا بعد اليوم: ظلال التراث"، والذي يعرض صوراً للتراث الثقافي المدمّر في أربع دول من الشرق الأوسط؛ وأخيراً جلسة نقاش موضوعي حول إعادة الإعمار – التعافي والمشاركة المجتمعية، والتي اختتمت اليوم أيضاً.

 

اختتام جلسة النقاش الموضوعي حول إعادة الإعمار بعد الصراع - التوصيات والبيان الختامي

اختتمت اليوم جلسة النقاش الموضوعي حول "إعادة الإعمار بعد الصراع – التعافي والمشاركة المجتمعية". وهدفت هذه الفعالية التي استمرت لمدة يومين إلى معالجة ومناقشة المواضيع التي تتعلق بعملية إعادة الإعمار والتعافي للمدن التاريخية المأهولة بالسكان، سواء كانت هذه المدن صغيرة أم كبيرة. وفي اليوم الأخير من هذه الفعالية تم استعراض عدة دراسات حالة من العديد من الدول حول العالم.

الدكتورة آمرا هادزيموهاميدوفيتش، وهي خبيرة من البوسنة والهرسك، قدمت عرضاً بعنوان "التراث ومفهوم (السلام الليبرالي) في الحروب المعاصرة: التعلم من البوسنة"، حيث ركزت على الدمار الذي لحق بالتراث خلال وبعد حرب التسعينات في البوسنة، إضافة إلى دور التراث في انتقال البلد نحو السلام. سلطت المتحدثة الضوء على إطار عمل يحدد المبادئ الأساسية لحماية التراث التي تأخذ بعين الاعتبار التوازن المطلوب بين العديد من القضايا والمفاهيم، على سبيل المثال لا الحصر الحاجات الإنسانية الملحّة وحقوق الإنسان، الثقافة والتعبير العام عن الهوية، المقاربات الوطنية المحددة والمتعددة، الاهتمام العالمي والسياق المحلي، التمويل والحاجات المتوفرة، وغيرها.

من جهته ركز المهندس المعماري جاد تابت، رئيس اتحاد المهندسين والمعماريين اللبنانيين وعضو لجنة اليونسكو للتراث العالمي، على الدور الحرج للقطاع الخاص في عملية إعادة البناء والترميم بعد الصراع، وسلط الضوء على تجربة مدينة بيروت في لبنان، في أعقاب الحرب الأهلية التي وضعت أوزارها في عام 1991. وقال المهندس جاد تابت "بعد مرور نحو ربع قرن على إطلاق عملية إعادة الإعمار للوسط التاريخي لمدينة بيروت، والتي تكفلت بتنفيذها شركة عقارية خاصة، تقدم تجربة بيروت مثالاً لافتاً لعملية ذات طابع استثماري في عهد اقتصاد السوق الحر، والتي تكللت بالنجاح من الناحية الاقتصادية، ولكن في الوقت نفسه بالفشل من النواحي الاجتماعية والبيئية".

أما السيد جيوفاني بوكاردي، رئيس وحدة الطوارئ والجاهزية في قطاع الثقافة لليونسكو، فقدم نظرة شاملة حول التجربة الرمزية التي طورتها منظمة اليونسكو مع شركائها في مالي لمواجهة التحديات المعاصرة الخاصة بحماية التراث الثقافي في وجه الصراعات على نحو أفضل. يعود فضل النجاح في شمال مالي، وخصوصاً في تمبكتو، إلى إشراك وتعبئة المجتمعات المحلية التي قادت جميع عمليات الإسناد الطارئة وإعادة الإعمار. وقال السيد جيوفاني بوكاردي: "حافظت المجتمعات المحلية عبر الأجيال على خبرة فريدة من نوعها ومتوارثة، سمحت لهم بإعادة بناء 14 ضريحاً للقديسين وإعادة ترميم المساجد ومكتبات المخطوطات القديمة".

البروفيسور توشي يوكي كونو، نائب رئيس المجلس الدولي للآثار والمواقع ICOMOS، والأستاذ في جامعة كيوشو في فوكوكا، اليابان، سلط بدوره الضوء على العديد من الحالات المتعلقة بعملية إعادة الإعمار للمواقع التراثية والثقافية في اليابان بما فيها قلعتي كوماموتو وهيروشيما بعد الدمار الكبير الذي لحق بهما بسبب الكوارث الطبيعية والزلازل والحروب. وهدف العرض الذي قدمه الخبير الياباني إلى المساهمة في الحوار حول إعادة الإعمار بشكل عام.

من جهته قدم الدكتور جاميني ويجيسيوريا، مدير مشروع في وحدة المواقع ضمن منظمة إيكروم دراسة حالة ارتكزت على مشاركته وإدارته لمشروع التعافي وترميم وإعادة بناء معبد توث ريليك في سريلانكا، أول موقع من التراث العالمي يتم نسفه من قبل الإرهابيين في عام 1998. أوضحت دراسة الحالة هذه كيف يتم تقرير أعمال التعافي تبعاً لحاجات وطموحات المجتمعات، وكيف توجب على العملية أن تبدأ بسرعة حيث أن التدمير كان قد أثر بشدة على المجتمعات. ويقول د. جاميني: "مشاركة المجتمع هو أمر جوهري، وهو يتراوح من ممارسة الضغوط على كل الأطراف المعنية بعملية التعافي حتى توفير الدعم المالي الضروري".

السيدة ريناتا شنايدر غلانتز، كبيرة خبراء الحفظ في الجمعية الوطنية لحفظ التراث الثقافي في المعهد الوطني للأنثروبولوجيا والتاريخ في المكسيك، قدمت دراسة حالة عن ترميم كنيسة السيدة مريم العذراء في سان لويس بوتوسي في المكسيك بعد احتراقها في عام 2007. عمل في هذا المشروع فريق متعدد التخصصات جنباً إلى جنب مع أفراد المجتمع والسلطات التقليدية في عملية صناعة القرار. وقالت ريناتا شنايدر غلانتز: ”لم يسمح هذا الأمر بإصلاح الموقع بأبعاده الجمالية والمادية فحسب، بل تم حفظ وتحسين أبعاده الرمزية وشعائره واستخداماته اليومية”.

اختتمت جلسة النقاش الموضوعي اليوم، من خلال الإعلان عن البيان الختامي ومجموعة من التوصيات التي أكدت على دور منظمة ايكروم كمنصة عالمية تقدم النصح والتوجيه، والمناهج لمجتمع الخبراء، والشبكات، وصانعي القرار والمؤسسات المسؤولة عن حفظ وحماية التراث الثقافي المهدد بالخطر. وتأتي هذه التوصيات في الوقت الذي يتعرض فيه التراث الانساني المتنوع والغنى في العالم إلى "المحو الثقافي"، والتخريب المتعمد، واستهداف المواقع التاريخية والدينية، إضافة إلى الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية والتنقيب غير المشروع عن الآثار على نطاق واسع.

 

نتيجة لهذا الوضع الخطير، دعى المشاركون بالاجتماع الثلاثين لجمعية مركز إيكروم العامة للدول الأعضاء للقيام بـ:

    •    الامتثال للاتفاقيات العالمية الأخيرة التي أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومنها التي يتعلق بإدانة تدمير التراث الثقافي في العراق وسورية، والقرار المكرس لحماية التراث الثقافي من الخطر.

    •    استنباط سياسات تشاركية تعتمد نهجاً يرتكز على المجتمع لمشاريع التعافي وإعادة الإعمار، مما يخلق نوع من الإحساس بملكية هذه المشاريع، وتقوية المجتمع والتماسك الاجتماعي. لتحقيق هذه الغاية من المهم تطبيق سياسات التنمية المستدامة التي تجلب الفائدة لمعيشة المجتمعات المحلية في المقام الأول.

    •    تطوير نهج متعدد الاختصاصات والقطاعات، لإعادة الإعمار بعد الصراع، مع ملاحظة أن تطبيقاً حقيقياً محدوداً قد تم اختباره ميدانياً حتى اليوم.

    •    إدراك أن التوثيق أمر مهم لتحقيق الممارسات الأفضل في إدارة التراث. يجب حفظ كل مصادر المعلومات المتعلقة بتوثيق الموارد التراثية، كما يجب المحافظة على كل وثيقة أو معلومة نتجت أثناء أي تدخل ليتم العودة إليها في المستقبل.

    •    المعرفة بأن عملية إعادة الإعمار بعد الصراع تحتاج إلى وقت، بداية بالأعمال الطارئة، ثم بالتخطيط طويل الأجل تبعاً للأولويات التي تحدد مسبقاً.

    •    التأكيد على أن أي التزام يتعلق بعملية السلام يجب أن يتضمن قضية الحفاظ وإعادة الإعمار بعد الصراع للتراث الثقافي.

    •    توسيع الشراكات لتتضمن مجالات جديدة أبعد من المجالات التقليدية للتعاون التنموي، وتشمل بشكل متصاعد مجال حماية التراث الثقافي.

    •    تعزيز الأُطر المؤسساتية والقانونية بخصوص حماية وإدارة التراث الثقافي في أوقات السلم والأزمات والكوارث من أجل تسهيل التنسيق بين المانحين، والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والسلطات الوطنية والمحلية.

 

وشكل البيان الختامي المذكور نهاية النشاطات والاجتماعات الخاصة بالدورة الثلاثين للجمعية العامة لمنظمة إيكروم.