العدد 3362
الخميس 28 ديسمبر 2017
banner
خطباء السياسة
الخميس 28 ديسمبر 2017

عندما يُنشر هذا المقال، تكون قد أعلنت نتائج مسابقة كتابة الخطاب السياسي التي نظمها معهد التنمية السياسية، وشرُفت أن أكون أحد أعضاء لجنة التحكيم إلى جانب نخبة من المتخصصين في هذا الجانب الذين أضافوا الكثير من اللمسات، وسددوا ما وسعهم التسديد لترتقي المسابقة في نسختها الرابعة المقبلة. وفي مقام أوّل، فإننا في هذا البلد أحوج ما نكون إلى تعلّم السياسة على أصولها، والكتابة على أصولها، والخطابة على أصولها، لأننا نمارس السياسة – بشكل عام – بأن أقول ضدّ ما تقول، وأن لا أخضع للحق وإنما للجمعية والحزب، وأن أناكف، وليس قليلاً أن أهوّل، ولا بأس ببعض الكذب، أو بكثير منه من أجل الفوز في موقف أو مناظرة أو محاججة سياسية، ولكن الأسوأ من كل هذا الذي تقدّم، فإننا – على المستوى العام – لا نفرّق بين الممارسة السياسية والعلاقات الاجتماعية، والانتماءات المذهبية، وغيرها من الأمور، فيجري في هذا الشأن كثير من الخلط الذي ينعكس سلباً على تعاطينا في ما هو أعمق وأبقى من السياسة، فيرفع البعض منا درجة حماسه إلى الحدّ الذي يقاطع معه المختلفين، ويتوجسّ ريبة منهم حتى في أدنى الأمور الاعتيادية، وتتلاشى الثقة بين الناس، وهذا ما يُلحظ في الفترة التي سُمح فيها بتشكل الجمعيات السياسية، فبانت حينها وجوه لم نكن قد رأيناها من ذي قبل، وفي الحال، وكما يحدث في الحالات المشابهة: تمنّى البعض عودتنا إلى ما كنّا عليه، لا أن نتخندق ونتنافر ويبدي بعضنا لبعض وجوهاً غير محببة.

تعلم الكتابة على أصولها أمرٌ مهمّ في هذا الوقت، خصوصاً أن المسابقة انطلقت إلى الشباب حتى سنّ 34، وكان في اعتقادي الشخصي أن تراجعاً كبيراً حلّ في المستوى العام في اللغة العربية، وهذا ليس من الظنون غير المستندة إلى الحقائق، فما نشهده يومياً تقريباً من عدم قدرة السواد الأعظم من الشباب على كتابة بضعة أسطر تخلو من الأخطاء الإملائية والنحوية، هو الأكثر سيادة بفعل التساهل والتفريط والنزول والتنازل، والحجج في هذا الباب كثيرة، حتى تحوّلت هذه اللغة الحلوة إلى مسخ، ولكن ما قرأته في الكمّ الأكبر من المشاركات، كان رصيناً ومتماسكاً ومتراصّاً ومتدفقاً، صحيحٌ أن المشاركين في المسابقة كانوا 89، ولكنني أحسب أن من لم ينتبهوا إليها أضعاف هذا العدد، والأمل أن يكون العام المقبل أرقى مستوىً وأكثر نفيراً.

وتعلّم أصول الخطابة من الأمور التي أتمنى لو تدْرس لمعرفة الأسباب التي تجعل المواطن البحريني، الرجل خصوصاً، أقل من أقرانه أبناء مجلس التعاون، في الفصاحة والتدفق والانطلاق، والأكثر تردداً في التعبير عن نفسه وأفكاره، والأشدّ خجلاً من أن يخطئ، والأدنى صوتاً عند الحديث!

أترك عند معهد التنمية السياسية بطاقات شكر وامتنان على هذه البادرة التي تستدرج الطاقات المواطنة الشابة للظهور والتدرب والتنافس، فلعلّه جيل جديد ناهض، أكثر وعياً، وأعمق تجربة، ننعم بالعيش معه مستقبلاً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية