+A
A-

الناقد كمال الذيب: "اليونسكو" تتعرض إلى ابتزاز من دول ترى نفسها خارج السياق الإنساني

أقامت أسرة الأدباء والكتاب يوم أمس ندوة بعنوان"مخاطر انهيار الدور الثقافي لليونسكو" تحدث فيها الناقد والأديب كمال الذيب الذي قدم بالتقصي والتحليل اهم القضايا المثارة المتعلقة باليونسكو وما يؤثر على الجو الثقافي الرائع الذي تقدمه هذه المنظمة والعقبات وصيحات المعركة...معركة بقاء الثقافة.

 تحدث الذيب اولا عن ولادة اليونسكو قائلا: ولدت اليونسكو من رحم الحرب العالمية الثانية، فقد انتهت الحرب في إبريل 1945، وأنشئت اليونسكو في 16 نوفمبر 1945م. أي حوالي 7 أشهر بعد انتهاء الحرب الكونية، تحت اسم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وهـي وكالة متخصصة من وكالات الأمم المتحدة

انبثقت أهدافها الرئيسة من فكرة المساهمة في إحلال الأمن السلام في العالم بتعزيز مفاهيم وقيم التعايش والحوار والتنمية والشراكة الدولية، عبر التعليم والعلوم والثقافة وتقوم اليونسكو بتطـوير قـيم الاحتـرام العالمي للعدالة وسيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية التـي أُقرت في ميثاق الأمم المتحدة

لليونسكو 50 مكتب ميداني اقليمي، بالإضـافة إلى عدد من المؤسسات في كافة أنحاء العالم

وتضم اليونسكو حاليا 195 دولة من دول الأعضاء (بعد انسحاب كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الاسرائيلي) كما تطرق الذيب في الندوة عن برامج اليونسكو الرئيسية موضحا أن اليونسكو

تتابع عملها من خلال خمسة بـرامج رئيـسة هي:

التعلـيم والعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والثقافـة، والاتـصالات والمعلومات

أما عن الدور لليونسكو وأهميته في العالم فيوضح الذيب أن  أهمية اليونسكو تكمن في كونها الوكالة الرائدة للأمم المتحدة في مجال تعزيز ودعم الثقافة والتراث في العالم، من خلال:

*حماية التراث الثقافي، وتعزيز مبادئ اتفاقية عام 1970 المتعلقة بالتدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة ومنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية

*حماية التراث الثقافي غير المادي، وضمان نقل مهارات "الكنوز الحية" إلى الأجيال القادمة

دعم وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي

*تعزيز دور الثقافة في التنمية على المستوى العالمي والإقليمي والوطني

*تعزيز الحوار بين الثقافات والتماسك الاجتماعي ونشر ثقافة السلام واللاعنف

*إقامة الشراكات والشبكات وبناء نظام يعزز قدرة البلدان على تشاطر المعارف والمعلومات.

*إدارة شؤون العلوم والتكنولوجيا وتبعاتها

*المساهمة في بناء القدرات الوطنية في مجال حفظ التراث، وعمل الدراسات الاستشرافية، ومختبرات الأفكار

*بذل المزيد من الجهود للحفاظ على التراث الإنساني المهدد بالزوال في مناطق النزاعات والحروب

ويتابع :

ولكي نفهم أهمية الدور الثقافي لليونسكو والمهدد الان بالانهيار، بسبب محاولات الخنق المالي والضغط والابتزاز وإثارة الشكوك حول هذه المنظمة، واتهامها بالبيروقراطية والتسييس الزائد، والانحياز إلى حقوق الشعوب في العالم الثالث، وقضايا التحرر الوطني والدفاع عن التنوع الثقافي في مواجهة العولمة الكاسحة، والدفاع عن حرية التعبير والفكر، دعونا نتوقف عند بعض التساؤلات التي أثيرت على هامش الاجتماع الأخير للمؤتمر العام للمنظمة في نوفمبر الماضي 2017م، وخصوصا من قبل رئيسة المؤتمر العام

أن اليونسكو قد ولدت من رحم مأساة الحرب العالمية الثانية، كمحاولة للتعبير عن انتصار الإنسانية والفكر والحرية والحوار والتعايش على البربرية والتوحش وغباء البشرية الذي أوصلها إلى ما يشبه الدمار الشامل في تلك الحرب الطاحنة

دعونا نتذكر أن أولى مشروعات واتفاقيات اليونسكو منذ نشأنها في منتصف القرن الماضي كانت اتفاقية تنوع اشكال التعبير الثقافي ولنتذكر أن من أول إنجازاتها الثقافية إطلاقها في العام 1950 لمشروع تاريخ الإنسانية والتاريخ العام للقارة الافريقية في 1964م، للتغلب على القوالب النمطية والتحيزات المبنية على الجهل والخرافة لنتذكر أيضا إعلان اليونسكو لمناهضة العنصرية في الخمسينات ولنتذكر جهود اليونسكو في حماية التراث الإنساني في النوبة في العام 1960 ولنتذكر الرؤية الثقافية للتراث وحماية التراث الطبيعي والثقافي في العام 1972  ولنتذكر كذلك اتفاقية الاعتراف بالتراث الشفهي للشعوب وحمايته، وتوفير الموارد للشعوب الفقيرة لتوثيقه كجزء من تراث البشرية في 1997، دعونا نتذكر أيضا الدور الأساسي الثقافي والإعلامي الذي اضطلعت به اليونسكو في صون حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات

ولنتذكر هنا دعوة اليونسكو في العام 1989م ضمن رؤيتها الشاملة لثقافة السلام، والتي انتهت من خلال حوارات ومؤتمرات عديدة إلى إعلان السنة الدولية لثقافة السلام في العام 2000م، والعقد الدولي لثقافة الطفل من أجل السلام واللاعنف من 2001 الى 2010م

وأخيرا وليس آخرا دعونا نتذكر جهود اليونسكو الكبيرة في حماية ودعم الآثار الثقافية في فلسطين وفي مدينة القدس تحديدا، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التراث الفلسطيني الإسلامي والمسيحي.

هذا باختصار مجرد أمثلة، ولكن لماذا، بعد ما لخصناه تتعرض اليونسكو اليوم إلى هجمة تشكيك وابتزاز وضغط وتجفيف مصادر التمويل، من عدد من الدول التي ترى نفسها خارج السياق الإنساني، أو ترى نفسها معزولة محاصرة بهذه الإنجازات وبقوة الأفكار؟ وباختصار لقد كانت اليونسكو منذ انشائها وإلى تاريخه في طليعة التقدم العلميّ والفكري والدفاع عن التنوّع الثقافيّ، وعن القيم الإنسانية المشتركة في الحرية والعدالة والسلام والحوار الحضاري، وكانت دائما المكان الفريد الذي يمكن أن يوفّر فضاء للحوار، ويسمح بمعالجة كافة التوترات والصراعات وأختتم الناقد كمال الذيب الندوة بالقول: "يحق لنا ان نتساءل في الختام: تصوروا عالما من دون يونسكو، ومن دون دورها الثقافي والعلمي والتعليمي، فكيف سيكون العالم من دون ثقافة ومن دون علوم ومن دون تعليم أكاد أقول إن اليونسكو هي المنظمة الأكثر قدرة على ضمان التواصل بين البشر عبر الثقافة ونشر ثقافة التسامح عبر المنتجات الثقافية وتعزيز القبول بالتنوع الفكري والثقافي واعتباره مصدر ثراء للبشرية".