+A
A-

كيف جُوع الإيرانيون وفقدوا 75‎% من عملتهم؟

لم يعد يخفى على أحد أن فشل السياسات الاقتصادية المرسومة عبر الحكومات المتعاقبة، شكل شرارة اندلاع الانتفاضة في الشارع الإيراني، بعدما وجد نفسه "كبش فداء" للصراع الداخلي بين التيار المحافظ والتيار الإصلاحي، وانغماس نظامه في تمويل الإرهاب، وسط ارتفاع معدلات التضخم وتزايد مستويات البطالة والفقر وفقدان العملة ثلاثة أرباع قيمتها منذ العام 2010.

قلق الشعب الإيراني المحتج منذ أكثر من 3 أسابيع لا ينبع من الفراغ، بل يأتي خوفاً من العقوبات الجديدة المنتظرة على ميليشيات حزب الله الهادف إلى قطع المساعدات التي تقدّمها إيران أو متبرّعون أو تجنيها ميليشيات حزب الله من نشاطات إجرامية حول العالم، ما أعاد إلى الذاكرة العزلة الاقتصادية والمالية التي رزحت تحتها طهران وذاق خلالها الشعب الأمرين.

بُعيد الاتفاق التاريخي على البرنامج النووي الإيراني بين الجمهورية الإسلامية والدول الخمس زائد واحد في فيينا في يوليو 2015، وبدء تنفيذ خطة العمل المشتركة عبر رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية في يناير 2016، تصدر التهافت الدولي على قطف ثمار "التسوية النووية" المشهد العام، ظناً منهم أن عودة إيران إلى الساحة العالمية باتت قريبة.

ونص توقيع الاتفاق على إلغاء جميع إجراءات الحظر الاقتصادية والمالية المفروضة على ايران دفعة واحدة، ومن بينها إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على 800 شركة ومؤسسة تجارية واقتصادية، وتحرير أموال إيران المجمدة في المصارف الغربية البالغة 120 مليار دولار.

حينها كان الاقتصاد الإيراني موجهاً نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية وأهداف السياسة العامة للحكومة الحادية عشرة. ووضع البنك المركزي الإيراني نصب عينه نهج استعادة الانضباط النقدي، وعودة السيولة، وتحقيق الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي.

36 عاماً من العقوبات الاقتصادية

غير أن الأثر الإيجابي على الاقتصاد الإيراني لم يكن عميقاً واقتصر على بعض المؤشرات، باعتراف البنك المركزي الإيراني، إذ إن 36 عاماً من العقوبات استطاعت الولايات المتحدة الأميركية خلالها أن تحقق هدفها في عزل إيران عن النظام المالي والتجاري الدولي، وتنهك الماكينة الإنتاجية في طهران، فضلا عن القيود المفروضة على صادرات النفط الإيرانية.

ولعل التحسن الأبرز في الاقتصاد الإيراني تمثل في الاتجاه الهبوطي لمعدلات التضخم، غير أن تضخم الأسعار لا يزال في مستويات مرتفعة، إذ انخفض معدل التضخم من 40.4% في 2013 إلى 34.7% في مارس 2014، و15.6% في مارس 2015 ثم 11.9% في مارس 2016.

وبحسب أحدث تقرير سنوي صادر عن البنك المركزي الإيراني للسنة المالية 2015/ 2016، فقد ارتفع إجمالي الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي بمقدار 2.2 مليار دولار، وذلك نتيجة لتعديلات شروط التجارة.

وتحسنت السيولة مع تحرير جزء من الأموال المجمدة في البنوك الغربية، لتبلغ 10,172.8 تريليون ريال إيراني في مارس 2016، بنمو 30% مقارنة مع مارس 2015.

علاوة على ذلك، عززت إيران حصتها في أوبك عبر زيادة الإنتاج والصادرات بعد رفع العقوبات الاقتصادية عليها، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع صادرات إيران من النفط الخام بنسبة 6.8% في المتوسط إلى 1.4 مليون برميل يومياً. كما بلغت الصادرات من المنتجات النفطية 176 ألف برميل يوميا في السنة المالية 2015/ 2016، ما يشير إلى نمو بنسبة 47.5% مقارنة مع العام السابق.

ما بعد الاتفاق النووي

صحيح أن الاقتصاد الإيراني قد تنفس الصعداء إثر البدء في تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، غير أن السياسة الخارجية للنظام الإيراني في المنطقة التي أدت إلى تكتل عربي ودولي ضدها بعد إنفاق المليارات لتمويل النظام السوري وحزب الله الإرهابيين، أعاقت المضي قدما في سياسة الإصلاح الاقتصادي.

ويظهر ذلك جلياً في التدهور المستمر لقيمة العملة الإيرانية، في وقت أصبح الدولار الأميركي يعادل 43,660 ريال إيراني حالياً مقارنة بـ10 آلاف ريال في العام 2010 (حين ثبتت حكومة أحمدي نجاد آنذاك سعر الصرف عند 10 آلاف ريال لكل دولار أميركي).

وبلغ متوسط قيمة العملة الإيرانية عند 37,480 ريال في 2017، و29,580 ريال إيراني في 2016، و32,550 ريال في 2015.

المؤشرات الاقتصادية.. تراجعات ملحوظة

وبحسب أرقام المركزي الإيراني، فإن الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض من 11,260 تريليون ريال إيراني في 2014/15 إلى 11,129 تريليون ريال إيراني في 2015/16.

وتراجع الدخل القومي بنسبة 2.3% إلى 8,963 تريليون ريال في السنة المالية 2015/2016 مقارنة بـ 9,175 تريليون ريال في 2014/2015.

كما انخفض فائض الحساب الجاري في ميزان المدفوعات في 2015/16، وذلك بسبب الانخفاض الحاد في أسعار تصدير النفط الخام في الأسواق الدولية بنسبة 33.6% إلى 9 مليارات دولار في الفترة 2015/2016.

وتراجعت التدفقات الرأسمالية والمالية بنسبة 40.7% إلى 4.7 مليار دولار في 2015/16 مقارنة بالعام السابق.

عجز الموازنة

وبالنظر إلى أرقام الأداء بين الإيرادات والمصروفات في الفترة 2015/2016، يظهر أن الحكومة قد سجلت عجزاً في الميزانية بـ592.9 تريليون ريال إيراني، بزيادة قدرها 28.7% مقارنة مع السنة المالية السابقة.

حيث ارتفعت الإيردات في موازنة الحكومة إلى 1,123.7 تريليون ريال إيراني في 2015/2016 مقارنة بـ 977 تريليون ريال في 2014/2015. بالمقابل ارتفعت المصروفات (النفقات الجارية) بمقدار 18.7% إلى ريال 1,706.9 تريليون ريال في 2015/16 مقارنة بـ1,438 تريليون ريال مع السنة المالية السابقة.

البطالة في تزايد في صفوف الشباب

واستنادا إلى تقديرات معهد العلوم والتكنولوجيا، فإن البطالة قد ارتفعت 0.4% إلى 11% في الفترة 2015/2016 مقارنة مع العام السابق.

بينما تشكل حصة السكان العاطلين عن العمل بالفئة العمرية 15-29 سنة نحو 60% من مجموع السكان العاطلين عن العمل.

علاوة على ذلك، فإن عدد العاطلين عن العمل في الفئات العمرية (15- 24 )، (15 – 29)، و(25- 29)، بات يسجل 881 ألفا في 2015/16 مقارنة بـ 564 ألفا في 2005/2006.

حركة الاستيراد والتصدير

أما في ما يتعلق بأداء الميزان التجاري، يتبيّن أنه بعد تحسن حجم الاستيراد الإيراني بنسبة 7.8% إلى 53,569 مليون دولار في العام 2014/2015 مقارنة بـ 49,709 مليون دولار في العام 2013/2014، عادت قيم الاستيراد لتتراجع بنسبة 22.5% إلى 41,490 مليون دولار في العام 2015/2016.

والأمر نفسه ينطبق على حجم التصدير الذي شهد تحسناً ملحوظاً في العام 2014/2015 إلى 33,569 مليون دولار مقارنة بـ 28,369 مليون دولار في العام 2013/2014، قبل أن يتراجع بنسبة 7.6% إلى 31,028 مليون دولار في 2015/2016.

القطاع المصرفي الأكثر تضرراً

وقبل اندلاع الثورة الإسلامية في إيران وحتى عام 1979، لعبت المصارف الخاصة دور قاطرة النمو عبر ضخ حوالي 70% من المعاملات والقروض في السوق الإيرانية. ومع بدء فرض العقوبات الاقتصادية، شهد النشاط المصرفي في إيران نوعاً من الجمود مع تأميم مصارف القطاع الخاص في محاولة من النظام الإيراني سد العجز في موازنتها عبر سيطرتها على القطاع المصرفي، في إطار منحه تسليفات للقطاع العام وذلك عبر قناتين: مشتريات سندات الخزينة والاحتياطي في المصرف المركزي.

البنوك والأصول الإجمالية

منذ العام 2001، أعادت الحكومة تخصيص المصارف نظراً إلى حاجتها لتنشيط الاقتصاد، إلى أن اصطدم النظام المالي بالعقوبات. فقد تجاوز مجموع الديون المترتبة على 11 مصرفاً التابعة للدولة 32 مليار دولار في العام 2009.

وتصدر مصرف ملي إيران أو ما يعرف (باسم البنك الوطني في إيران)، قائمة اللائحة مع ديون إجمالية بحوالي 9 مليارات دولار، تلاه مصرف سبه SEPAH (4,8 مليار دولار)، ثم مصرف مسكن، مصرف Keshavarzi، مصرف الصناعة والمناجم، ومصرف تنمية الصادرات الإيرانية مع ديون إجمالية بلغت 4,7 مليار دولار، 4,1 مليار، 3,5 مليار و 1,1 مليار دولار. أما ديون المصارف الخاصة فبقيت ضمن المعدلات المقبولة مقارنة مع المصارف الحكومية، إذ مصرف بارزيان، وهو من المصارف الخاصة الضخمة، لم يتجاوز معدل ديونه 421 مليون دولار.

وأفادت التقارير أن نسبة القروض المشكوك في تحصيلها بلغت 18% في 2014، في وقت بلغ مجموع هذه القروض 38 مليار دولار في 2009. ومع حلول العام 2017، توجب على الحكومة الإيرانية دفع 12.5 مليار دولار للبنوك المحلية لتسوية الديون.